يوسف أبو لوز في كتاب «زوجات الفراعنة» تقرأ وثيقة يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام قبل فرويد أوّل من حلل الحلم في مختبر نفسي، وجاء في وثيقة تفسير الأحلام لدى المصريين القدماء أن الرجل إذا رأى في منامه هرّاً كبيراً، فهذا فأل حسن، وهذا يعني أنه سيحصل على غلّة جيدة، أمّا إذا كان الرجل جالساً في الشمس داخل روضة، فهو أيضاً فأل حسن، وهذا يعني أنه سيحصل على ما يسرّه، وإذا رأى الرجل في ما يرى النائم أنه يتطلع إلى وجهه في المرآة، فهو فأل سيئ، وهذا يعني أن أمامه امرأة أخرى. ولكن دع الحلم المصري القديم، واذهب إلى الأشياء الموجودة في القبر الفرعوني.. إنها مجرّد أغراض عادية.. مثلاً.. تشاهد جهازاً خشبياً يولّد النار، وعلبة، كما يشرح المؤلف، تحتوي على ألعاب لها قفل سرّي بديع وتحمل السرور إلى قلب كل ولد.. ونشاهد قفّازات ومقعد ولد مصنوعاً من الأبنوس والعاج، ونشاهد مقاعد قابلة للطيّ من المرجح، كما جاء في الكتاب، أنها كانت تستعمل في صيد البط.ثمة ما هو أقرب إلى السوريالية في الحلم المصري القديم، وفي القبر الفرعوني، وفي الحالين هي مخيلة البشر وعقله الذي يصنع الصور والأشياء والأغراض، كما يصنع القمّاش سلّة من الدّمى الملوّنة.إن مثل هذه الكتب وهذه القراءات «الآثارية» المنسية تحمل في صورها طاقة شعرية لا حدود لها، وإن كتاباً في غزارة «زوجات الفراعنة» يمكن أن يبنى عليه عشرات الروايات، روايات لم تكتب بعد .. مدفونة في طاقة الحلم، وفي صمت القبر.ولكن ماذا عن الحلم في حدّ ذاته؟يحلم الإنسان، فيرى في نومه ما لم يره في صحوه أو في نهاره، ويرى صوراً لم يرَ مثلها مطلقاً في الكتب، وفي الحياة. إنها الصور الأولية البيضاء المصنوعة من المخيلة الشعرية، وكأن النائم هو الشاعر في حالة موته الليلي المؤقت.أحياناً، يصحو الشاعر من حلم كان قد رأى نفسه فيه وهو يكتب شعراً، سيرى ما كان رآه الفرعوني القديم: الكثير من المرايا والعلب والصناديق، يرى نفسه في روضة أو في قلب شمس، بل، يرى نفسه شمساً أو قمراً أو نجمة، وإذْ يصحو من نومه يأخذ في تدوين ما رأى.. وما رآه هو هدية الحلم، أو، هدية النوم.هل الكتابة هي هدية أيضاً؟.. نعم هي الحلم أو هدية الحلم، ولكن الكتابة قبل ذلك، هي هدية الله، والكاتب على نحو ما هو «قَمّاش» يصنع دُمىً ملوّنة، ويصنع أحلاماً مملوءة بالمرايا حتى لو كانت المرايا فألاً سيئاً، والكاتب أيضاً حَمّالُ أغراض، أو، حَمّالُ حقائب يعمل دائماً في ميناء أو في مطار، حقائبه مملوءة بالألوان والدّمى التي على شكل أطفال بثياب قليلة وقبّعات ومراييل خضراء وحمراء، وجوارب صغيرة، وضحك طفولي مصنوع من القماش.ما أقل الكتب التي تحفز الحلم والكتابة.. إنها مثل زوجات الفراعنة الذين يقولون «.. لا تكن قاسياً مع امرأة في بيتها إذا كنت تعرفها جيداً..»... لا تكن قاسياً مع كتاب في بيتك. yabolouz@gmail.com
مشاركة :