بداية فإن كلمة (الهاجاناه) تعني في اللغة العبرية (الدفاع) وهي منظمة شبه عسكرية يهودية نشأت وترعرعت في عهد الانتداب البريطاني لفلسطين في الأعوام 1921 – 1948م، والتي أصبحت نواة لقوات الجيش الإسرائيلي (IDF). وقد تأسست هذه المنظمة الإرهابية في مدينة القدس إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين، واعتبرت نفسها تكتلا عسكريا هدفه المعلن منذ التأسيس هو الدفاع عن أرواح وممتلكات المستوطنين اليهود في فلسطين خارج نطاق الانتداب البريطاني، وقد بلغت هذه المنظمة درجة من التنظيم أهّلها لتكون حجر الأساس للجيش الإسرائيلي كما هو عليه الآن من قوة تهابها مختلف دول منطقة الشرق الأوسط، ومن بين جرائمها الآثمة كما هو معروف تاريخيا، مذبحة دير ياسين التي قتل فيها بقسوة 360 فلسطينيا إن لم يكن أكثر من ذلك. وللعلم فإنه قبيل تأسيس هذه المنظمة الإرهابية، كانت هناك منظمة أخرى تسمى (هاشومير)، وكانت معنية بحفظ الأمن في التجمعات اليهودية في فلسطين، ولم يتجاوز عدد أفراد هذه المنظمة آنذاك المائة فرد على أحسن تقدير، وقد تأسست منظمة (هاشومير) من المهاجرين اليهود في عام 1909م، وكانت تتقاضى أجرًا سنويا نظير خدماتها الأمنية للتجمعات اليهودية. وحيث إن الثورة العربية في فلسطين قد جرت أحداثها بين عامي 1920م و1921م، قد أعطت مؤشرا قويا لزعامة اليهود في فلسطين بأن الحماية البريطانية لا يعوّل عليها في حفظ أرواح وممتلكات اليهود، فقد تم استبعاد قدرات منظمة (هاشومير) في لعب دور الحراسة والسهر على أمن التجمعات اليهودية، وأن الحاجة أصبحت ملحّة إلى تأسيس جهاز أمن مركزي ذي تجهيز وقدرة أفضل من هاشومير، لهذا تم إنشاء منظمة الهاجاناه كبديل لهاشومير في شهر يونيو من عام 1920م. وفي بداية الأعوام التسعة الأولى من تأسيس منظمة الهاجاناه كانت الأوضاع في فلسطين مستتبة نسبيا، وكانت طبيعة المنظمة مدنية تدار من قبل إدارة مدنية يترأسها شخص يدعى يسرائيل جاليلي. وما إن اندلعت إحدى الثورات العربية في هذا القطر العربي العزيز في عام 1929م، والتي أودت بحياة 133 قتيلا يهوديا حتى تطور الحال بمنظمة الهاجاناه بشكل جذري عندما انضم إليها آلاف الشباب اليهود وبدأت باستيراد السلاح الأجنبي، وإنشاء الورش لتصنيع القنابل اليدوية، والمعدات العسكرية الخفيفة، وتحولت بهذا العمل إلى جيش نظامي بعد أن كانت مليشيا ذات تدريب متدنٍ. كما حظيت هذه المنظمة برعاية ومساعدة بريطانيا بشكل مباشر من خلال مساهمة ضباط بريطانيين في سلطة الانتداب، في تدريب قوات هذه المنظمة الإرهابية من أمثال الضابط البريطاني (رينجت) الذي كان يسمى بين أفراد عصابة الهاجاناه بالصديق. وبحلول عام 1936م، أصبح عدد أفراد الهاجاناه عشرة آلاف مقاتل، وأربعين ألفا من الاحتياطيين. وخلال ثورة الأعوام من 1936 إلى 1939م. قامت هذه المنظمة بحماية المصالح البريطانية في فلسطين، وقمع الثوار الفلسطينيين، وبالرغم من عدم اعتراف الحكومة البريطانية بمنظمة الهاجاناه، فإن القوات البريطانية قد قامت بالتعاون بشكل كبير وواضح مع هذه المنظمة، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية في فلسطين المحتلة، وأمور أخرى تتعلق بالقتال بين الفلسطينيين واليهود. وفي عام 1937م حدث أمر داخل هذه المنظمة، إذ قام اليمين المتطرف فيها بالانشقاق عنها، وتأسيس منظمة أخرى تحت مسمى (أرجون)، ويعزى الانشقاق عن الهاجاناه إلى أن الأرجون رأت كبر حجم القيود التي تفرضها القوات البريطانية على الهاجاناه، كذلك ازدياد الضغط العربي الفلسطيني، ولغرض امتصاص الغضب العربي قامت الحكومة البريطانية بتقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ما دعا الهاجاناه إلى تنظيم هجرات يهودية سرية غير مشروعة إلى فلسطين، بالإضافة إلى تنظيم المظاهرات المناهضة للحكومة البريطانية. ولكسب تعاطف الحكومة البريطانية والشعب البريطاني في تأييدهما لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فقد أعلن ديفيد بن جوريون في بداية الحرب العالمية الثانية في عام 1939م، وكان آنذاك رئيسا لمجلس إدارة (الوكالة اليهودية) أعلن دعمه التام للحكومة البريطانية وعزمه القتال في صفوف القوات البريطانية ضد (أدولف هتلر) القائد النازي، إلاّ أن أفراد منظمة الأرجون لم يعبأوا بتصريح بن جوريون وقاموا بقصف المواقع البريطانية في فلسطين. أثناء الحرب العالمية الثانية وفي السنوات الأولى منها قامت القوات البريطانية بالتقدم بالتماس من أجل التعاون مع منظمة الهاجاناه خوفا من تغلغل قوات دول المحور في شمال إفريقيا، ولكن بعد هزيمة القائد الألماني ذائع الصيت (إروين رومل) في معركة العلمين في عام 1942م، تنفس البريطانيون الصعداء وأخذوا خطوة إلى الوراء فيما يخص الدعم والتعاون مع منظمة الهاجاناه، ولكن ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى عمدت منظمة الهاجاناه إلى شن حملة معادية للقوات البريطانية في فلسطين، فقامت بتحرير المهاجرين اليهود الذين احتجزتهم القوات البريطانية في معسكر يطلق عليه (عتليت) ثم قامت بنسف سكك الحديد بالمتفجرات، كما نظمت حملات هجومية تخريبية استهدفت مواقع الرادار ومراكز الشرطة البريطانية في فلسطين، واستمرت المنظمة في أنشطتها المتعلقة بتنظيم الهجرات اليهودية غير المشروعة إلى فلسطين. وفي 28 مايو 1948م، أعلنت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة إنشاء جيش الدفاع الإسرائيلي الذي حل مكان منظمة الهاجاناه في لعب دور الحفاظ على الأمن والأمان، وفي الوقت نفسه منعت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة إنشاء أي تشكيلات قتالية باستثناء قوة الدفاع الإسرائيلية، إلاّ أن منظمة الأرجون المنشقة عن منظمة الهاجاناه لم تعبأ بقرار الحكومة المؤقتة سالف الذكر، ما أثار نوعا من اللغط وبعض المناوشات بين قوات الأرجون وقوات الهاجاناه فترة من الزمن، لكن في النهاية رضخت منظمة الأرجون واتباعها للأمر الواقع وألغت أسلحتها، وعلى أنقاض هذا القرار استطاع مناجم بيجن تشكيل حزبه السياسي المسمى (حيروت) بدلا من منظمة الأرجون التي كان يترأسها. ومن المعروف أن أهم رموز منظمة الهاجاناه كان إسحاق رابين، وأرئيل شارون، ورحبعام زئيفي.
مشاركة :