أزمة الأسواق الناشئة .. آسيا صامدة لكن المخاطر في الطريق

  • 9/19/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مع انخفاض مؤشر مورجان ستانلي لأسهم الأسواق الناشئة الرئيس بمقدار الخمس عن الذروة التي وصل إليها في كانون الثاني (يناير)، يخشى المستثمرون من أن مزيدا من الضغوط سيؤدي إلى استثارة عدوى أوسع نطاقا. تواجه الاقتصادات الناشئة تحديات بسبب تعزيز الدولار الأمريكي وتقليص السياسة النقدية الفضفاضة جدا في الأسواق المتقدمة، لكن أجزاء من آسيا تثبت أنها أكثر مرونة. والتباين في الحظوظ يظهر أن الأسواق الناشئة تتخذ مسارات مختلفة، رغم أنه ينطبق عليها وصف واحد يشمل الجميع. من بين الاقتصادات الناشئة الأكثر انكشافا هناك الاقتصادات التي تعاني عجزا في الحساب الجاري والتي تعتمد على رأس المال الأجنبي. عندما ترتفع أسعار الفائدة الأمريكية يصبح اجتذاب رؤوس أموال أجنبية إلى الاقتصادات الناشئة أمرا أكثر صعوبة. هذا الخطر عمل على تحفيز انخفاض الليرة التركية والبيزو الأرجنتيني. في المقابل تضررت عملات أخرى، بدءا من الراند الجنوب إفريقي إلى البيزو المكسيكي، عندما انسحب المستثمرون من الأسواق الناشئة. بلغ الضغط درجة كبيرة بحيث اضطر البنك المركزي في تركيا إلى اتخاذ الإجراء العجيب المتمثل في رفع أسعار الفائدة إلى 24 في المائة يوم الخميس، صعودا من 17.75 في المائة، ما منح العملة دفعة هي في أمس الحاجة إليها. بالنسبة لآسيا، التساؤل يدور حول ما إذا كان باستطاعة المنطقة تحمل ضغوط البيع الأوسع نطاقا في الأسواق الناشئة. بحسب ماكس لين، الخبير الاستراتيجي في الأسواق الناشئة في آسيا لدى "نات ويست ماركتس"، "يتطلع الناس إلى البلد التالي الذي سيكون مثل تركيا – في آسيا، يشير بعضهم إلى الهند، وآخرون إلى إندونيسيا. عندما ترى ضعفا في أحد البلدان، يغلب عليه الانتشار، رغم أن تلك الأزمات محلية للغاية وليست لها علاقة تذكر بآسيا". عملت كثير من الاقتصادات الآسيوية على بناء فوائض في الحساب الجاري، باستثناء إندونيسيا والهند والفلبين، وهي بلدان كانت تعاني في العام الماضي عجزا في الحساب الجاري بلغت نسبته 1.7 في المائة و1.5 في المائة و0.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي. ويسلط بعضهم الضوء على الاختلاف الكبير بين الوضع الحالي والأزمة المالية التي أصابت آسيا في عام 1997، وكان سببها زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية عملت على إخراج رأس المال من المنطقة. قال روب كارنيل، كبير خبراء الاقتصاد ورئيس البحوث في آسيا والباسفيك لدى "آي إن جي": "قبل 1997 / 1998 كانت معظم البلدان (في آسيا) تعمل ولديها عجز في الحساب الجاري، وعملاتها مرتبطة بالدولار الأمريكي، واحتياطيات العملات الأجنبية أكثر شحا". وأضاف: "معظم البلدان في المنطقة الآن لديها فوائض في الحساب الجاري، ولديها خزائن ضخمة مليئة باحتياطيات العملات الأجنبية. الأمر مختلف تماما". الاحتياطيات الضخمة من العملات الأجنبية تساعد البلدان على الدفاع عن قيمة عملاتها. واستنادا إلى بيانات من شركة نومورا، احتياطيات كوريا الجنوبية من النقد الأجنبي، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قفزت من 5.4 في المائة في عام 1996 إلى 24.7 في المائة في 2017، في الوقت الذي تضاعف فيه الاحتياطي في الصين من 12.2 في المائة إلى 25.6 في المائة. مرونة آسيا هي أيضا علامة وجود مستويات متدنية من التضخم، ونمو اقتصادي قوي، ونظام مصرفي مركزي متين. في المقابل، تقدم أمريكا الجنوبية صورة مختلفة تماما، حيث التضخم في فنزويلا في سبيله هذا العام إلى تسجيل نسبة مليون في المائة، وفقا لصندوق النقد الدولي. وتلوح المخاطر السياسية أيضا في الأفق بشكل كبير مع إجراء انتخابات تجري الشهر المقبل في البرازيل، بينما البلاد عالقة في جدل كبير. وسيواجه الرئيس الجديد مهمة فورية تتمثل في التعامل مع ارتفاع الدين والعجز في آن معا. دوايفر إيفانز، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في آسيا والباسفيك لدى "ستيت ستريت جلوبال ماركتس"، يرى أن "آسيا اجتازت العاصفة بشكل أفضل لأن مصارفها المركزية قوية". ويضيف: "بقدر ما كانت أزمة 1997 / 1998 مؤلمة، أحد الأمور التي نتجت عنها هو أن المؤسسات هنا أصبحت لديها الآن سياسات أكثر صدقية وبالتالي أصبحت أقل عرضة للخطر، خلافا للمؤسسات في أمريكا الجنوبية". مثلا، سارع بنك إندونيسيا المركزي إلى زيادة أسعار الفائدة أربع مرات منذ أيار (مايو) من أجل إعاقة التراجع في عملته. وأصبحت الصناديق السيادية الآسيوية أيضا أقل اعتمادا على الاقتراض من الولايات المتحدة، بعدما باتت أسواق رأس المال في المنطقة أكثر عمقا، ما أدى إلى التخفيف من خطر ارتفاع أسعار الفائدة الذي يزيد من تكاليف خدمة الدين. قال كاران تالوار، المختص في ديون الأسواق الناشئة لدى شركة بي إن بي باريبا لإدارة الأصول: "فيما يتعلق بمستويات الدين في آسيا، لا تمتلك معظم الاقتصادات الكبيرة مستويات مفرطة أو مثيرة للقلق من الانكشاف أمام الديون السيادية المقومة بالدولار الأمريكي". وتابع: "ليست هناك تركيا في آسيا، وليس هناك اعتماد كبير على الديون المقومة بالدولار الأمريكي لإعادة تمويل القطاع المصرفي. لكن لدى بعض أسواق التخوم، مثل سريلانكا ومنغوليا، الكثير من الديون المقومة بالدولار الأمريكي التي ستكون مستحقة خلال السنوات الثلاث المقبلة". مع ذلك، أصدر قطاع ديون الشركات كميات كبيرة من الديون المقومة بالدولار خلال السنوات القليلة الماضية. ونتيجة لذلك، كما يقول تالور "سيكون من الضروري وجود إدارة مناسبة للعملة وإمكانية وصول مستمرة إلى أسواق رأس المال، حتى تكون هناك قدرة على إعادة تمويل وتجديد الديون المستحقة". في الوقت نفسه، مستويات الديون في الصين مرتفعة بشكل ضخم، حتى أنها كانت تشكل 299 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، وهو خطر يثني بعض المستثمرين عن الاستثمار في الصين. وتشير بيانات حديثة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، في حين أن سوق الأسهم هوت إلى منطقة السوق الهابطة، وهذا دلالة على أن آسيا ليست منيعة تماما أمام توتر المستثمرين. وبحسب آيدان ياو، كبير الاقتصاديين المختص بالأسواق الناشئة في آسيا لدى شركة آكسا لإدارة الاستثمار: "التوترات التجارية التي نتوقع أن تزداد سوءا قبل أن تتحسن، تعد مصدرا للحذر. لكننا ندرك أيضا أن مجال السياسة الاقتصادية المتاح أمام بكين للدفاع عن اقتصادها ضد المخاطر السلبية الكبيرة يصبح محدودا". في حين أن التوترات التجارية الصينية تستمر في إلقاء ثقلها على المستثمرين، إلا أن المنطقة الأوسع هي بشكل أساسي في موضع أفضل يؤهلها لاجتياز العاصفة القوية التي تحيط بالأسواق الناشئة الأخرى في العالم.

مشاركة :