محمد أمين | يبدو أن مراسل نيويورك تايمز أليكس بيرنز التزم بـ «الأمانة العلمية» حين أبدى تأييده لدفاع جيمس كلابر، المدير السابق للمخابرات الوطنية في عهد باراك أوباما، عن المفاوضات الدبلوماسية للرئيس دونالد ترامب مع كوريا الشمالية، باعتبارها واقعية قاسية. فقد نقل بيرنز عن كلابر قوله «اننا أقمنا علاقات دبلوماسية مع الكثير من الدكتاتوريين المتوحشين عندما اعتقدنا ان ذلك كان في مصلحتنا». يريد المدافعون عن هذا النهج في القضايا الخارجية أن يصدقوا أن موقفهم هذا يرقى إلى غياب الحكم غير المبرر، لكنه أشبه بغياب الفكر النقدي. فعلى هذا الصعيد، هناك نقاط تشابه كثيرة بين دونالد ترامب وباراك أوباما. فكيم جونغ أون ليس مجرد واحد من بين الكثير من الطغاة، وجمهورية كوريا الديموقراطية ليست بلدا كأي بلد آخر. كوريا الشمالية عبارة عن سجن كبير يعيش فيه أكثر من 200 ألف شخص في معسكرات اعتقال تضم بين نزلائها عائلات بأكملها، وبعضهم لا أمل لهم في مغادرة هذه المعسكرات على قيد الحياة، حيث تنتهج هذه الدولة سياسة معاقبة ثلاثة أجيال على جرائم ارتكبها فرد واحد. ولا أحد يعرف بالتحديد، عدد الأشخاص الذين يقضون احكاما بالسجن والاشغال الشاقة، لعدم وجود مراقبين لحقوق الإنسان في البلاد منذ عام 1995. ولكن عددا كبيرا من المنشقين الذين يتدافعون عبر نهر يالو يقدمون لنا فكرة دقيقة عما يحدث داخل كوريا الشمالية. ويعاني هؤلاء المنشقون من سوء تغذية شديد وأمراض مزمنة. ويمكن القول ان شعب كوريا الشمالية هم رهائن للنظام الدكتاتوري ويخضعون للابتزاز والتعذيب البشع في بيئة عنيفة وفاسدة ويعانون من التمييز. دول مارقة تقوم كوريا الشمالية بتصنيع وتصدير المواد المخدرة والأسلحة النووية على نطاق صناعي لزعزعة استقرار العالم من حولها. وهي على استعداد لتقديم دعمها لأي دولة مارقة أو جهة تطلبه، بما في ذلك الدول الراعية للإرهاب والطغاة القتلة مثل نظام الملالي في إيران وبشار الأسد في سوريا. وينفذ نظام بيونغ يانغ هجمات إرهابية باستخدام غاز الأعصاب على أرض أجنبية وفي الأماكن العامة المزدحمة بالسكان. وانتهك تقريبا كل معاهدة وقّع عليها، بما في ذلك معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية. وجزاء كل هذه الأعمال الإجرامية، يجب أن يتم تقويض وعزل هذه المافيا المتخفية كدولة ومعاقبة أؤلئك الذين استعبدوا الملايين منذ عقود. لكن دونالد ترامب، اختار ــ بدلا من ذلك ــــ أن يتبع خطوات سلفه أوباما في إيصال كوريا الشمالية باليد إلى دائرة الضوء العالمية. ما حدث في سنغافورة كان وصمة عار. وما تم وصفه على أنه قمة صممت لتأمين نهاية متفاوض عليها للأزمة في شبه الجزيرة الكورية – وهي الأزمة التي بدأها النظام الكوري الشمالي وحده وتفاقمت – لم يكن سوى حفل كان فيه كيم جونغ أون الرابح الوحيد. فقد وصل كيم إلى سنغافورة وسط الاضواء وضجة كبيرة. والتقط مصوروه الصور له وهتف الجمهور باسمه. فهذا الرجل الذي قتل أخاه غير الشقيق وعمه وصديقته السابقة، وغيرهم العشرات، أخذ صورا شخصية مع شخصيات ديموقراطية وقام بجولة مفتوحة في سنغافورة. بدا دونالد ترامب، الرئيس المنتخَب شرعياً لأقوى جمهورية حرة في العالم، وهو يضغط على يد مأمور أكبر سجن في العالم، وهي دولة ذات ناتج محلي إجمالي سنوي يعادل مثيله في مدينة يوجين بولاية أوريغون. وصرح ترامب إنه «لشرف لي أن أحيي كيم، الذي هو رجل موهوب للغاية. واصبحت لدينا علاقة رائعة». والتقطت لهما صور فوتوغرافية أمام خلفية من الاعلام الأميركية والكورية الشمالية. لقد كان مشهدًا موحِّدًا لعلاقة بين طرفين متساويين! ابتزاز لم يبد أن الرئيس أو إدارته، في أي وقت من الأشهر الثلاثة الماضية، يدركون أن القمة نفسها كانت تنازلاً كبيراً لنظام كيم. لقد سعت حكومة كوريا الشمالية إلى عقد القمة، كما فعلت طوال ربع القرن الماضي، وقبلت الإدارة في النهاية، العرض كفرصة لتحقيق «نزع السلاح النووي». ولكن بمجرد أن انطلقت القمة، بدا «نزع السلاح النووي» أمراً ثانوياً. تحدث ترامب عن التنازلات التي حصل عليها مثل إعادة رفات الجنود الأميركيين وتفكيك موقع اختبار الصواريخ، بالإضافة إلى عودة الأميركيين الذين اختطفتهم بيونغ يانغ واحتجزتهم لسنوات. لكن ترامب قدم التنازل الأكبر بمنح كيم معاملة زعيم دولة على قدم المساواة مع رئيس الولايات المتحدة. وتعهد ترامب بوقف المناورات العسكرية الأميركية مع كوريا الجنوبية، باعتبارها اعمالا عسكرية استفزازية. وتعهد ترامب في البيان المشترك مع كيم بـ «العمل لنزع كامل للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية». ومن يعلم؟ فقد يقدم ترامب المزيد من التنازلات لكوريا الشمالية بدءاً من المساعدات الاقتصادية الى الاعتراف الدبلوماسي وربما فتح سفارة للولايات المتحدة في بيونغ يانغ وتقليص التواجد العسكري الأميركي في شبه القارة الكورية. والأخطر من ذلك أن هذه التنازلات سوف تشجع المزيد من الدول لابتزاز الولايات المتحدة من خلال التخطيط لبناء قدرات نووية. كوريا الشمالية ليست دكتاتورية كباقي الدكتاتوريات. فهي ليست تركمانستان ولا اريتريا. إنها قوة تثير الرعب. والنصر الذي حققته كوريا الشمالية على طاولة المفاوضات هو نتاج نرجسية كل من أوباما وترامب. إنها نرجسية تنظر إلى الوضع الراهن، الذي فرضه وحافظ عليه المهنيون من السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين على مدى 70 عاما، باعتباره فشلاً أكثر من كونه نجاحا. وفي النهاية، إذا كان ذلك عملا انتهازيا يهدف الى تحييد الخطر، فإن ما فعله الرئيس وحلفاؤه هو العكس تماماً. وإذا ما انبثق أي شيء إيجابي من هذه المغامرة المتهورة، فإنه المدى الذي سمح به النظام الكوري الشمالي لشعبه أن يتأمل ما تبدو عليه الحياة في بلد آسيوي متطور. فإذا أدى كل ذلك إلى إضعاف نظام كيم وانتهاء القمع في كوريا، عندئذ فقط يمكن القول ان هذه القضية تستحق العناء. فلا يمكن أن يكون هدف أميركا هو مجرد «نزع السلاح النووي»، لأن تهديد كوريا الشمالية لا يقتصر على ترسانتها النووية. يجب أن يكون هدف أميركا النهائي هو التفكيك الكامل لأسوأ بلد على سطح الأرض. ولكن للأسف، يبدو أن كل ما فعلناه حتى الآن، عززّ قوة كيم جونغ أون ولم يُضعفها. ¶ كومنتاري ¶
مشاركة :