لأن بعض الظن إثم فقد آثمنا، ولكن الله غفور رحيم، فقد ظننا أن القنوات الخاصة العربية ستشكل نقلة إعلامية كبيرة ومهمة وستتجاوز عقبات وتحفظات القنوات الرسمية العربية، ولكن خاب رجاؤنا، ويكاد يجهض حلمنا الجميل. فمعظم إن لم يكن مجمل القنوات الخاصة تحولت إلى أبواق حزبية مؤدلجة حتى النخاع تخدم أجندات سياسية أو تعمل لأجندات ولمشاريع ليست فوق مستوى الشبهات. ودخلت على الخط أنظمة وجهات غير عربية ووظفت عرباً ليطعنوا في المشروع العربي، وفي بلدان عربية محددة ومستهدفة، واختلط الحابل بنابل الأجندات الخطيرة، وغدت القنوات الخاصة تشكل خطراً على الوعي العام العربي وتحولت إلى نائحاتٍ مستأجرات مدفوعة الثمن سلفاً، وفقدان أملنا في مشروع القنوات والفضائيات الخاصة لأنها ليست خاصة على الإطلاق ودعكم من اليافطات، فقد انكشف الغطاء وخاب الرجاء. وكان للنظام الايراني الثيوقراطي المشحون بعقدة التفوق الفارسي والاستعلاء الشوفيني المتعصب اليد الطولى في تخريب وفي تجريف مشروع القنوات الخاصة عن هدفه حين وظفت مئات الفضائيات الخاصة مظهراً وعنواناً لخدمة مشروعها التوسعي تحت يافطة «الجمهورية الاسلامية العالمية»، ووسيلتها في ذلك ما عُرف بتصدير الثورة. وكم من الجرائم ارتكبتها ايران الخمينية باسم «الثورة» بعد ان أفرغت الثورة من محتواها النبيل، وشحنتها بفكرة ثيوقراطية ظلامية تبرر وتفلسف الاستبداد والقهر. وهكذا تم تغييب وإلغاء الدور المنتظر أو المتوقع للفضائيات الخاصة، ودخل الجميع في لعبة التسييس من جهة والتمييع والإلهاء من جهة أخرى. وكانت الجزيرة ذراعاً آخر ضارباً في تخريب وهدم المشروع الخليجي العربي بسلسلة تلك البرامج والتقارير والأخبار والحوارات والانحياز للخط المعادي لخليجنا العربي، والانضمام لركب الفضائيات الايرانية الناطقة بالعربية في وحدة الاستهداف الخطير للخليج العربي أولاً وللدول العربية الأخرى التي رفضت التغريد في سرب قطر وإيران. وإذا ما ألقينا نظرة أخرى على فضائيات الفنون والتسالي فحدث ولا حرج، فقد دخلت هذه الفضائيات في منافساتٍ مخجلة ومضحكة حين طغى عليها الإسفاف والردح، وخدمت كل شيء إلا خدمة الفن والابداع الحقيقي والأصيل لتطغى اسماء نكرة، عدتها الدلع والاستخفاف بوعي الجمهور، وإثارة المعارك النسوية المفتعلة تحت عنوان «قالت وقلتي» ليحمى وطيس «الهوشات» ونشر الغسيل الوسخ بالتلميح احياناً وبالتصريح في أحايين كثيرة، وهكذا ضاعت الاهداف حين طغى الإسفاف، للأسف الشديد. كنا نراهن في السابق وقبل ان يمتلأ فضاؤنا العربي بمثل هذه الفضائيات التي أشرنا إليها، كنا نراهن على أن مشروع الفضائيات الخاصة هو خيار المستقبل في الميديا والإعلام واللحاق بالعصر الجديد، لكننا وللأسف وجدنا الفضائيات الخاصة العربية تجرنا جراً وبعنوة إلى الوراء بل إلى ما وراء الوراء. فتخصص بعضها «وهو كثير» في استحضار قضايا خلافية من قرونٍ وقرون وفرضها فرضاً على المتابع والمشاهد والزج به قسراً ليكون جزءاً من قضايا دفنت يوم دفن أصحابها منذ آلاف السنين، فما الهدف سوى إثارة الفتنة بين العامة من إعادة إنتاجها. ولأننا في عصر الميديا، ولأن الفضائيات هي القوة الناعمة الأقوى والأكثر تأثيراً في الوعي الجمعي، فقد تركت هذه الفضائيات الخاصة «وسنقول معظمها» أسوأ الآثار في المشهد العربي العام وأكثره تخلفاً وعصبوية وطائفية مقيتة، ومن جانب آخر فقد صنعت لنا نجوماً وبالأخص «نجمات» من لا شيء وفاقدات لأدنى مقومات وأساسيات النجوم. وهكذا أُجهض الحلم / الأمل في مشروعٍ عربي واحد تلاعبت به الأجندات المشبوهة، وأضاعت هويته فضائيات الاتجار بالبشر، وبينهما قرأنا الفاتحة او نكاد على مشروع داعب الأحلام العربية يوماً.
مشاركة :