أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، المسلمين بتقوى الله عز وجل. وقال في الخطبة التي ألقاها اليوم: المؤمن في سكناته وتحركاته وحله وترحاله وتصرفاته وجميع أحواله؛ لا غنى له عن خالقه ومولاه؛ إذ هو عونه ومعتمده ومبتغاه.. والعبد الرباني عابد متأله ومُخبت منكسر لله جل في علاه؛ لذا فكلما قويت صلة العبد بربه وكان دائم الطاعة لله؛ هُدِيَ طريقه وأُلهِم رشده وقَوِيَت عزيمته، وازداد قوة إلى قوته، واشتد صلابة في الدين. وأنه لما سألت فاطمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم خادماً وجّهها وزوجها علياً بقوله: (ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما؛ فسبحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم). وأضاف: النبي صلى الله عليه وسلم أرشد ابنته فاطمة رضي الله عنها إلى أن ذكر الله يقوّي الأبدان ويحصل لها بسبب هذا الذكر الذي علّمها قوة فتقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم. قال ابن حجر: ويستفاد من قوله "ألا أدلكما على خير مما سألتما"؛ أن الذي يلازم ذكر الله يُعطى قوةً أعظم من القوة التي يعملها له الخادم، أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطي أموره أسهل من تعاطي الخادم لها". وأردف: لقد فَطِن أولياء الله وتيقنوا، أن ذكرهم لله هو قوتهم، وأن حاجة أرواحهم للغذاء أحوج من حاجة أجسادهم؛ بل إن المادة التي تستمد منها أبدانهم قواها هي زاد أرواحهم؛ فقلوبهم معلقة بالله، وألسنتهم تلهج بذكر الله دائماً. وقال "غزاوي": مَن اعتاد هذا العمل؛ بحيث يبدأ يومه ذاكراً لله منطرحاً بين يدي مولاه ذلةً وخضوعاً ورغبة ورجاء؛ كيف يكون سائر يومه وكيف يكون نشاطه وحاله، وقد علم أن الذكر يقوي القلب والبدن، وما بالكم إذا كان الذكر مما يجمع فيه العبد بين الذكر القولي والذكر البدني كصلاة الليل؛ تجمع الذكرين؛ بل تجمع كثيراً من الأذكار (القرآن الكريم، والأدعية، وتعظيم الله). وأضاف: كل هذه الأمور تزيد العبد قوة بدنية وقوة معنوية، وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم، الحرص على قيام الليل؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه؛ فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً). وأردف: هذه العبادة تغذي الروح وتقوّي النفس وتربي الإرادة؛ فلا عجب أن يصبر النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان يواجهه من الشدائد والصعاب في سبيل الله، وما يلقاه من الفتن والأذى؛ فيدافع كيد العدو؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، صلّى، والصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر، كما قال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}. وتابع: كان من تسلية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، أن ضرب له العبد الصالح والنبي المصطفى داود عليه السلام مثلاً في قوة العبادة؛ فقال عز في علاه: {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} قال السعدي: "من الفوائد والحكم في قصة داود، أن الله تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته؛ قوة القلب والبدن؛ فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس"، ولم يقتصر صلى الله عليه وسلم على باب واحد من أبواب تقوية الصلة بربه؛ بل تنوعت وسائله، وفي ذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله! قال: وأيكم مثلي؟! إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)؛ أي يشغلني بالتفكر في عظمته، والتملي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه، وقرة العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه عن الطعام والشراب، قال ابن القيم: "قد يكون هذا الغذاء أعظمَ من غذاء الأجساد، ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني؛ ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه، الذي قرت عينه بمحبوبه". وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام، على أن الذكر هو عمدة العبادات وأيسرها على المؤمن، وأن العبد يكثر منه امتثالاً لأمر الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً}، وأن للقلب غذاءً يجب أن يتغذى به حتى يبقى قوياً؛ وغذاء القلب هو الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح. وقال: على قدر ما يحقق العبد من ذلك يكون في قلبه من القوة والثبات على الحق؛ ذلك أن الحياة الحقيقية هي حياة القلب، وحياة القلب لا تتم إلا بالعمل بما يرضي الله تعالى؛ فالقلب متى ما اتصل بالله وأناب إليه حصل له من الغذاء والنعيم ما لا يخطر بالبال، ومتى غفل العبد عن ربه وأعرض عن طاعته فإنه سيموت قلبه؛ ولذا فلا يجد المرء راحة قلبه ولا صلاح باله ولا انشراح صدره؛ إلا في طاعة الله؛ فهذه العبادات والقربات التي يقوم بها العبد من شأنها أن تحقق الاطمئنان، وتورث الصبر والثبات، وتزيل الهموم، وتذهب الاكتئاب، وتمنع الإحباط، وتخلص من الضيق الذي يشعر به العبد نتيجة مصائب الدنيا. وأضاف: من أعظم ثمار الإيمان الصلة بالله، والافتقار إليه، والإقبال عليه، والاستئناس به، وتحقيق العبودية له، في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وقوة الصلة بالله تجعل المؤمن طائعاً لله عاملاً بأوامره، مستقيماً على شرعه، ومن كان كذلك فجزاؤه الحياة الطيبة التي وعدها الله المؤمنين. وأردف "غزاوي": التعلق بالله وحسن الصلة به؛ يربي في صاحبه العمل، ويجعله يحاسب نفسه على الصغير والكبير، ويستشعر مراقبة الخالق قبل محاسبة الخلق، وصاحب الصلة بالله مقبل على فعل الخير، ساعٍ إليه، حريص على ألا يفوته شيء مما ينفعه، ويحزن ويتحسر على ما فاته من زاد إيماني عظيم كان يحصله وقت نشاطه وقوته، وأن من حفظ جوارحه عن محارم الله زاده الله قوة إلى قوته ومتّعه بها، وهذا مطلب كل مؤمن؛ فمن دعائه صلى الله عليه وسلم: (ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا). والتمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحيْن إلى الموت والمعنى: اجعلنا متمتعين ومنتفعين بأسماعنا وأبصارنا وسائر قوانا من الحواس الظاهرة والباطنة وكل أعضائنا البدنية؛ أي بأن نستعملها في طاعتك مدة حياتنا وحتى نموت.. ومَن حفظ الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحواسه وأعضائه وحوله وقوته وعقله.
مشاركة :