«ربّ رمية من غير رامٍ»، مثل عربي قديم لا نعتقد أنه يحتاج الى كثير من التفسير، ومع أنه من المؤكد أنه ليست هناك رمية من غير رام، إلا أنها رمية أو فعل أو عمل قام به صاحبه من دون قصد فأصاب بها هدفاً، أو هدفه، بدقة لا يمتلكها، فهذا مثل سائد ومعروف، ويردده العرب في مجالسهم، ولهذا المثل قصة، كسائر الأمثال. فيقال إن الحكم بن يغوث المنقري كان في الجاهلية أرمى أهل زمانه، فهو ما رمى هدفاً إلا أصابه، وحصل أن استيقظ المنقري يوماً فوقع نظره على «الغبغب»، وهو اسم لصنم يعبده، فحلف يميناً قائلا: لقد آليت على نفسي يميناً لأدجن على «الغبغب» مهاة، وهي نوع من البقر الوحشي يكثر في جزيرة العرب، والمقصود هنا بأن يذبح مهاة قربانا. خرج الحكم حاملاً قوسه وكنانته، قاصداً بغيته في أمر هو عليه هين، فمرت أمامه مهاة فشد قوسه نحوها، ولكنه لم يصبها، وهربت منه، وحاول في ذلك اليوم مع غيرها مثنى وثلاث فلم يفز بأي منها، فرجع كئيبا حزينا، وبات ليلته على ذلك، فهو لم يصنع في يومه شيئا، ولم يحقق ما آل على نفسه من يمين. خرج المنقري صباحا الى قومه وقال: ما أنتم صانعون، فإني قاتل نفسي اليوم إن لم أدجها، قاصدا إن لم أذبحها؟ فقال له أخوه الحصين: يا أخي دج مكانها عشراً من الأبل قرباناً لصنمك، قاصداً حتى يكفر بها عن يمينه، فقال الحكم: لا واللات والعزى، لا أظلم عاترة، وأترك النافرة، لا خير فيني إن لم أوفي بوعدي بذبح المهاة لأقدمها الى صنمي «الغبغب»، فإني أخشى أن يصيبني منه سوء. عندها قال له ابنه المطعم بن الحكم، وهو بعد غلام: يا أبت، احملني معك أرفدك وأعينك، فرد الحكم ساخراً: وما أحمل من رعش وهل ضعيف وجبان، وهل ستصيد ما عجزت أنا عنه؟ فضحك المطعم، وقال: إن لم تر أوداجها تخالط أمشاجها فاجعلني وداجها. انطلق الحكم وابنه الى الفلاة طلباً لصيدهما، فإذا هما بمهاة، فرماها الحكم فأخطأها، ثم مرت به أخرى فرماها فأخطأها، فقال مطعم: يا أبت، أعطني القوس، فأعطاه إياها، فشد قوسه نحو المهاة وأصابها، فقال له أبوه: «رب رمية من غير رامٍ». الحقيقة أن الانسان، كل انسان لا بد أن يمر بتجربة كهذه، أي أن يحالفه الحظ من دون قصد، فيصيب له أمر كان مكتوباً، سواء أكان خيراً أم شراً، فهي أمور لا نعتقد أن بمقدور الانسان تجنبها، فقد تنجيه من كارثة بأعجوبة، وقد يرزق بخير وفير بصدفة لم تخطر على بال أحد، فهذه الصدفة أو الرمية أنقذت الحكم من الموت، وكان عليه أن يشكر حظ ابنه بدلا من أن يتهكم عليه. طلال عبدالكريم العرب talalalarab@yahoo.com
مشاركة :