من رواية مذكرات قبو لـ فيودور دوستويفسكي

  • 9/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أنا رجل مريض.. أنا رجل شرّير. أنا بالأحرى رجل مُنفر. أظنّ أنّ بي شيئاً ما في الكبد. على كل حال، مرضي أنا لا أفهم فيه أي شيء، وأجهل على وجه الدقة، ما يؤلمني. وحتى إن ظللتُ أحترم الطبّ والأطباء، فإني لا أعالج نفسي، بل لم يسبق لي بالمرة أن عالجتها. أضيفوا إلى ذلك أنّي رجل متطيّر إلى أقصى حدّ، مثلما ليس مسموحاً لمثلي بأن يكون؛ الحاصل، أني متطيّر بقدر كاف لاحترام الطب. «إذ أنا متعلّم بما يكفي حتى لا أتطير، ومع ذلك». أبداً! إنما بدافع الشرّ، أنا لا أتعالج. وهذا، أراهن على أنكم أيها السادة، لا تفهمونه. أما أنا، فواضح عندي! بالطبع، قد لا أفلح في أن أفسّر لكم، والحالة هذه، مَن ذا الذي أقض مضجعه، حين أخضع بهذه الكيفية لنزعتي الشريرة، فلا أتعالج؛ إنما أنا أدرك تمام الإدراك بأن الأطباء لن يزعجهم، أن أعرض نفسي عليهم للعلاج، أو لا أعرضها عليهم؛ إذ أعلم أكثر من أي أحد بأني لا أضرّ بفعلتي هذه إلا نفسي أنا بالذات، وليس أحداً آخر غيري. ومع ذلك، إن كنت لا أعالج نفسي، فإما بدافع الشرّ أنا أفعل ذلك. إن كبدي يؤلمني. ذلك أفضل، ألا فليزدد الألم أكثر فأكثر! منذ زمن بعيد، ما يقرب من عشرين سنة بالتحديد، وأنا أعيش على هذا النحو. عمري الآن أربعون سنة. في ما مضى، كنتُ موظفاً. أما الآن فما عدتُ كذلك. كنتُ موظفاً شريراً. فظاً وغليظاً كنتُ، وكان ذلك يُمتعني. لم أكن - كما قد تتصورون – أرتشي. لذلك، كان لا بد لي من أن أتحصل بالضبط، على ما يعوّضني عن خدماتي، حتى وإن كان ذلك بتلك الطريقة. هذه بحق مزحة سخيفة، إنما لن أشقّب عليها. لقد استهدفت، وأنا أثبتها، أن أحدث بها وخزاً لاذعاً؛ أما الآن، وبعدما صرت أدرك بأني ما عدتُ أبحث سوى عن التّباهي بطريقة منحطة ومثيرة للسخرية، فإني لن أشطب - عمداً -؛ على أي شيء. لقد كنتُ في بعض الأحيان، حين يتقدم إلى مكتبي بعض الراغبين في قضاء مآربهم، ملتمسين مني أن أقدّم لهم معلومة من المعلومات، أستقبل هؤلاء وأنا أصّك على أسناني. وحينا أصل إلى إذلالهم، وجعلهم يشعرون بالمهانة، أحس بنشوة ما بعدها نشوة، وكنتُ أصل إلى تحقيق ذلك، كل يوم تقريباً. لقد كان هؤلاء على العموم، من قبيل الخجولين والخانعين الذين يُسلمون بكل شيء، لكني ما زلت أذكر على الخصوص...

مشاركة :