تونس - أبقى اجتماع الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، مع رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، الذي وُصف بـ”اجتماع الفرصة الأخيرة”، في سياق الأزمة السياسية والحكومية المُتدحرجة نحو المزيد من التعقيد، على حالة الغموض والضبابية التي تُحيط بمآلات الخروج من المأزق السياسي، وعناوين المشهد الجديد الذي بدأ يتشكل على وقع الاستعدادات الجارية للاستحقاقات الانتخابية المُقررة في العام 2019. وانتهى الاجتماع الذي جاء بعد فتور واضح بينهما بسبب الخلافات حول النقطة 94 من وثيقة قرطاج 2 التي تتعلق بمصير الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، في ساعة متأخرة من مساء الخميس، دون الحسم في القضايا الخلافية الجوهرية. وقالت مصادر مُقربة من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس السبسي، لـ”العرب”، إن هذا الاجتماع الذي تواصل على امتداد أكثر من ساعتين، تم خلاله تناول مختلف أوجه الأزمة، وضرورة العمل على تفكيك عناصرها في أقرب وقت مُمكن ضمن إطار المسار البرلماني والدستوري، باعتباره الضامن الأساس للحيلولة دون انتكاسة المسار الديمقراطي في البلاد. وأكدت أن راشد الغنوشي طلب مهلة بـ48 ساعة للعودة إلى الأطر القيادية في حركته قبل التعهد العلني للرئيس السبسي بدعمه برلمانيا في صورة قرر اللجوء إلى الفصل 99 من الدستور لحسم مسألة بقاء أو رحيل الشاهد. وأشارت إلى أن اجتماعا مُرتقبا سيُعقد بين السبسي والغنوشي، مساء السبت، أو يوم الأحد، وذلك قبل الحوار المُرتقب مع الرئيس السبسي الذي تستعد القناة التلفزيونية الخاصة “الحوار التونسي” لبثه مساء الاثنين. أيمن العلوي: الفصل 99 هو المخرج من المأزق الراهن، لتجنيب البلاد سيناريوهات خطيرة أيمن العلوي: الفصل 99 هو المخرج من المأزق الراهن، لتجنيب البلاد سيناريوهات خطيرة وتشير بعض التسريبات التي تتالت بشكل لافت الفترة الأخيرة، إلى أن الرئيس السبسي باختياره هذا التوقيت للظهور إعلاميا من جديد، يكون قد حسم أمره، باتجاه استخدام الورقة السياسية الأصعب، أي الذهاب إلى البرلمان لطلب تجديد الثقة في حكومة الشاهد، رغم إقراره بأن موازين القوى على مستوى البرلمان ليست في صالحه. ولم تؤكد مصادر “العرب” صحة تلك التسريبات، ولكنها أشارت في المقابل إلى أن الرئيس السبسي سيتحمل مسؤولياته، خاصة وأن غالبية القوى السياسية في البلاد سبق لها أن طالبته باستخدام حقه الدستوري لحسم الأزمة الراهنة، بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية. ويرى مراقبون أن لجوء الرئيس السبسي لمثل هذه الورقة، محفوف بالمخاطر، ويُثير مجموعة من الهواجس المشروعة، التي لا يمكن تجاوزها بالنظر إلى استمرار حركة النهضة الإسلامية في سياسة الابتزاز والمساومة في علاقة بسياق الأزمة الراهنة الذي كثرت تعرجاته. ومع ذلك، شدد النائب البرلماني، أيمن العلوي، على أن الرئيس السبسي مُطالب دستوريا بالتحرك لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، لأنه لا يمكن القبول باستمرار مثل هذا الوضع الذي يفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وقال لـ”العرب”، إن غالبية القوى السياسية في البلاد سبق لها أن عبرت بوضوح عن مواقفها التي ترى فيها أن لجوء الرئيس السبسي إلى الفصل 99 من الدستور، هو المخرج والطريق الأسلم للخروج من المأزق الراهن، وبالتالي تجنيب البلاد سيناريوهات قد تكون أكثر اضطرابا وإرباكا. وأكد أن البرلمان هو صاحب الشرعية، وهو الإطار الأنسب لحسم هذه الأزمة، لافتا إلى أن الوقت حان لرحيل هذه الحكومة التي فقدت حزامها الحزبي والسياسي، بسبب ارتهان رئيسها يوسف الشاهد لحركة النهضة وفق حسابات شخصية. وفي المقابل، تُحذر أوساط سياسية أخرى من مخاطر استخدام ورقة الفصل 99 من الدستور، على صورة الرئيس السبسي، ومكانته ودوره باعتبار أن موازين القوى داخل البرلمان ليست في صالحه، ولن يكون من السهل عليه تجميع 109 أصوات المطلوبة لحجب الثقة عن الحكومة. وترى أن هذا الوضع يجعل السبسي رهين موقف حركة النهضة الإسلامية، التي باتت تتحكم في البرلمان بكتلتها النيابية الأكثر عددا (69 مقعدا)، والتي بدونها لا يمكن الحصول على الأصوات المطلوبة لحجب الثقة عن الشاهد. وهو ما دفع البرلماني أيمن العلوي إلى القول إن حركة النهضة هي المستفيد من هذا الوضع، وهي تتعاطى معه بتكتيكات مُستمدة من فكر الإخوان المسلمين الذي كثيرا ما يُركز على مبدأ التوظيف، والاستغلال بعيدا عن المصالح العليا للبلاد. وأمام هذا الوضع الذي يجعل المشهد في البلاد مُقدما على فصول غير مسبوقة من سياسة الابتزاز والمساومة التي تمارسها حركة النهضة، شدد قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري على أن الرئيس السبسي مُطالب بالذهاب إلى البرلمان بطلب مفصل ومعلل للتصويت على منح الثقة للحكومة لمواصلة نشاطها عملا بالفصل 99 من الدستور. واعتبر في تصريح نشره موقع “الشارع المغاربي” التونسي، أن “مشروعية الرئيس ستكون على المحك في صورة اللجوء للفصل 99 من الدستور، مُعللا ذلك بقوله “في صورة تجديد الثقة للحكومة فإن هذا يعتبر انتقاصا من المشروعية التي من المفترض أن يتمتع بها رئيس الجمهورية، فيما أنه لو تم سحب الثقة من الحكومة سيكون تغليبا لإرادة الرئيس وتجسيدا لإرادة الأغلبية المطلقة”. لكن الاختبار الأصعب بحسب المراقبين، هو أن تفعيل الفصل 99 من الدستور قد يتسبب في تطورات غير محسوبة العواقب، باعتبار أنه إذا لم يتمكن البرلمان من سحب الثقة من الحكومة في مناسبتين، يتعين عندها على الرئيس السبسي الاستقالة وحل البرلمان.
مشاركة :