فن الكتابة على الحافة الحرجة

  • 9/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إذا اعتبرنا أن الكاتب ابن بيئته، فإننا سنقف حائرين أمام الروائي المصري الراحل صبري موسى، الذي عاش في بيئات مختلفة منها ما هو ساحلي، وما هو صحراوي، وتنقل بين الأخضر واليابس والوادي والصحراء، لكن البيئة الساحلية أثّرت كثيراً في أسلوبه عبر اللغة الأدبية العالية التي تميز بها في سرده القصصي ومقالاته الصحفية. ومن المعروف أن روايته الشهيرة «فساد الأمكنة» بدأت فكرتها لديه عام 1963 عندما قام برحلته الأولى إلى جبل الدرهيب قرب حدود السودان، وكانت فكرة الرواية قد تشكلت داخله أثناء هذه الرحلة، ثم عاد إلى الدرهيب مرة أخرى عام 1965، وخلال زيارته لضريح الصوفي أبي الحسن الشاذلي، تبلورت الفكرة، فكتب الرواية.تقول أنس الوجود رضوان، في كتابها الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان: «الكتابة على الحافة الحرجة.. صبري موسى كما يراه النقاد»، إن الفترة التي عايشها الكاتب من قبل عام 1952 مروراً بالثورة ثم مرحلة النكسة حتى الانتهاء منها عام 1969، قد شكلت جزءاً كبيراً من موروثه الاجتماعي، وما عايشه المجتمع المصري من أحداث فساد وسيطرة على كنوزه، من قبل الاحتلال وحتى من الملكية، وانتهاء بوصوله إلى أقاصي القطر، وما سجله في روايته ما هو إلا مزج بين كل هذا، فنجد سيطرة المستعمر في حرية التنقل في أجزاء الوطن شماله وجنوبه، بحثاً عن الكنوز المدفونة فيه، وهذا ما اتضح من قبل البطل ومهندس التعدين الذي أغواه بالمجيء إلى تلك البلاد.وقال أحد النقاد عن صبري موسى، إن من لم يقرأه فاته الكثير، وعليه أن يعوض ما غاب عنه بأن يطالع ما خطه قلم هذا الكاتب والمثقف صاحب الرؤية العميقة دون صخب، والذي قدم للمكتبة العربية عدداً من الأعمال الأدبية ذات النفس المتفرد، تأتي في ذروتها واحدة من أجمل الروايات العربية «فساد الأمكنة»، التي اقتحمت مبكراً مسارين جديدين على مستوى الشكل والمضمون. فعلى مستوى الشكل ارتادت «فساد الأمكنة» عالم الواقعية السحرية قبل أن تبلغنا إبداعات أدباء أمريكا اللاتينية، ووضعت تحت أعين القارئ عالماً غريباً ومدهشاً، لم يتم البناء عليه واستثماره بأقلام أخرى إلا في النادر.وعلى مستوى المضمون فقد أنقذت الرواية نفسها إذا جاز التعبير من الوقوع في أسر المعتاد والسائد، سواء بالكتابة عن المدينة أو القرية، ورحلت إلى الصحراء، وبالذات المنطقة المجهولة جنوبي الصحراء الشرقية، لتقدم لنا عملاً فاتناً بكل معنى الكلمة، ولا يزال هذا العمل قادراً على إمتاع القراء. وقال ناقد آخر: «إن كتابات صبري موسى مثله هادئة في السطح، موّارة في الأعماق، وتحمل الكثير من الخصوبة والتجديد دون ضجة، إذ ليس من بين سماته الشخصية محاولة لفت الأنظار على أي نحو، ويمكن القول إنه من الفريق الذي يقول كلمته ويمضي».كان صبري موسى يقول: «استطعت خلال رحلتي للصحراء الشرقية وجبالها، أن أتعرف إلى القبائل وأعرافها وقوانينها، وهذا خلق لدينا نوعاً من الحميمية مع المكان، حتى إنني عندما كتبتها على حلقات كتبتها بقوة الأدب، وبروح الأديب ومغامرة وحرفية الصحفي، ما جعل هذه المادة عذبة وجاذبة للقراءة». كما أنه كشف عن أن روايته «تريد أن تنتصر للفطرة السليمة على حساب الغرائز والشهوات؛ تلك الفطرة المتمثلة في بدو الصحراء الذين اتخذوا من الفضائل سلاحاً يواجهون به مخاطر حياتهم اليومية».

مشاركة :