القاهرة: «الخليج» «أفضل أن أوجد في الكلمات عن أن أذوب مع السكوت أو أذوي في ظلال العدم»، هذه العبارة قالتها «تسان شيوي» رغم أنها - كما يقول محسن فرجاني في مقدمته لترجمته روايتها «غرفة فوق التل» - بالذات لا يمكن أن تخشى صمتاً أو نفياً لقيمة حضورها، فهي الآن وفي تقدير عدد من نقاد القصة الصينية المعاصرة، أهم كاتبة صينية؛ بل لقد صاغ لها النقاد أحكاماً وأطلقوا عليها ألقاباً مثل: «أعظم مبدعة صينية حداثية» و«الروائية المتمردة» و«صانعة المتاهات» و«كافكا الصين».يقول «فرجاني»، إن كتابة «تسان شيوي» تحتاج إلى قارئ يفهم الألغاز، وهو سيفهمها بالتأكيد؛ لأنها جزء من خبرة الإنسانية المختزنة في أعماقه، ليس عليه إلا أن يفتش عنها عبر دروب الحكي التي تبدو لأول وهلة في قصصها كأنها متاهات، وإذا كانت لغتها غامضة فلأنها تريد أن يكون الوضوح من صنع قارئها الذي سيفطن إلى المعنى، قد يبدو عالمها القصصي وكأنه حلم يستعصي على التفسير أو كابوس جاثم على الأنفاس، أو صورة مشوهة للوقائع؛ حيث يتداخل وعي الإنسان مع وعي الكائنات من حوله، مع مفردات الطبيعة حتى يصبح جزءاً منها، تمتلئ قصصها باللامعقول والصور الخيالية للأشكال المتحولة، ليس لكي تربك القارئ؛ بل هي تحثه على تجاوز صور الحياة وصولاً إلى حقيقة نفسية وذهنية، عبر الحس العميق بالوجود.في الثلاثين من مايو/أيار عام 1953 ولدت «تسان شيوي»، وكانت تعاني ضعفاً جسدياً، لم يكن يتناسب مع عصبيتها الزائدة، وعنادها الشديد، الذي عرفت به، وهي تلميذة في المرحلة الابتدائية، وجاءت الثورة الثقافية وأطاحت معها بالأب الذي كان رئيساً لتحرير إحدى الصحف، وبالأم التي كانت تعمل معه، وكانت وفاة الأخ الأكبر - غرقاً - صدمة مروعة للجميع، ولما عرفت بخبر وفاة أخيها انتابها الفزع، أحست بأنها على حافة الموت، لم تستطع أن تلقي نظرة وداع على جثته المطروحة بجوار النهر، ظلت تراه في الأحلام بعد الحادث الأليم، سكن الرعب قلبها، وأصبح كابوساً في طيات وعيها في الليل والنهار.كانت تكتب وكأنها على حافة حلم، وكان حلمها الحقيقي أن تكتب، حتى بعد أن التحقت بمصنع الطرق والإنشاءات كعاملة في قسم الخراطة عام 1970 وبعد أن تنقلت في مهن مختلفة بالمصنع، كان حلم الكتابة يداعبها، فتترك المصنع، وتعمل بالتمريض، ثم انسدت في وجهها أبواب الالتحاق بأية وظيفة، وكانت «الثورة الثقافية» تلفظ أنفاسها الأخيرة، لتجيء الثمانينات بعهد جديد، فتتزوج وتنتقل من مهنة إلى أخرى، دون أن يفارقها حلم الكتابة، فكانت تنكفئ على ماكينة الخياطة، وعلى ورقة مهملة تكتب أول محاولة قصصية.«شارع الطمي الأصفر» أول محاولة تدفع بها للنشر فيتردد الناشرون، خشية ألا تجد كتابتها سوقاً رائجة، كان اسمها الحقيقي «دنغ شياو هوا» فغيرته إلى «تسان شيوي» ويعني ذوبان الجليد، وفي منتصف ثمانينات القرن العشرين تدفقت مع تيارات الانفتاح الصيني تيارات الثقافة الغربية الحديثة، لتجذب إليها عدداً من الأدباء الشبان ومنهم «تسان شيوي»، وفي تلك الفترة التي نشرت فيها أول محاولة قصصية كانت فترة إصلاحات دنغ شياو بينغ، قد مهدت الطريق نحو مرحلة جديدة لتحرير الفكر والإبداع.لكن بعض الكتّاب عادوا عن الطريق، وهنا تكتب تسان شيوي: «كنت واحدة من بينهم وكان أعضاء تلك المجموعات من الأدباء من مواليد الخمسينات والستينات، كانت تلك حقبة مملوءة بالآمال، لكن بدءاً من التسعينات تبدلت الحال واتخذ كل واحد من هذه المجموعة مساره الخاص؛ إذ شعروا بأنهم شبعوا من الغرب ومن مطالعته؛ بل شعروا بالملل من هذه المطالعة وحان لهم الالتفات إلى تقاليدهم التي بدت لهم أعظم وأروع مما وجدوه عند الغرب، وأعتقد أن هذا النكوص موت للروح واللغة؛ لأن تراثنا لا يفي بالطاقة المطلوبة لتشكيل أدب جديد، من هنا فأنا أنتقد ثقافتي بشدة من أجل ضرورات التطور».واصلت «تسان شيوي» وحدها مشوار الإبداع الطليعي مستلهمة تقنيات غربية، وأهم أعمالها: «حوار في الجنة - تمثيلية فك الحصار - شارع التوابل - الحبيب الأخير - كوخ عجيب من الخشب»، وفي تعليق لجريدة نيويورك تايمز عن قصصها تقول: «قراءة قصص تسان شيوي تشبه إلى حد كبير النزول السريع من فوق جبل في قلب العتمة؛ حيث تجد عندها الطاقة الدافعة بكل سهولة، لكنك لا تعرف أين تتجه بالضبط، إن تسان شيوي تستدعي المقارنة مع أساتذة القرن الذين أمكن فهمهم، وكافكا بشكل خاص؛ بل إن البعض يرى أنها كانت أحق بجائزة نوبل من «مويان».
مشاركة :