عود على بدء، تناولت في المقال الأول من هذه السلسلة من المقالات قضية الاحتباس الحراري وعلاقة الوقود الأحفوري بها، وذكرت أن هذا الموضوع كان وما زال محل جدل كبير بين العلماء والخبراء والدول، بين مقر ومنكر لتأثير النشاط الإنساني في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، فمنهم من ينفي تماما وجود علاقة تربطهما وأنهما ظاهرة ليست جديدة، بل تتكرر كل 25920 سنة والسبب في ذلك هو نشاط أشعة الشمس المرتبطة بدورة شمسية مدارية. في المقابل، هناك آراء تعج بالمبالغة غير المنطقية التي تصور الوقود الأحفوري على أنه السبب الذي سيؤدي إلى الفيضانات وانقراض بعض الأجناس من الكائنات الحية والجفاف والتصحر وغيرها من الكوارث. بين هذه الفئة وتلك نجد من يتعامل مع هذا الملف باعتدال وعقلانية واحترافية، وعلى رأسها السعودية. أجد أنه من المهم جدا أن يعي العالم بأسره أن السعودية تضع البيئة والحفاظ عليها على رأس هرم اهتماماتها، وهذا ما ينص عليه النظام الأساسي للحكم في المادة الـ32 "تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها". وهذا ليس تنظيرا، فجهود السعودية من خلال "أرامكو السعودية" تثبت بما لا يدع مجالا للشك دورها الريادي في دعم كل المشاريع والأبحاث المحلية والعالمية التي تخدم هذا الهدف. وقد استشهدت في مقال سابق نشر في يوم الإثنين العاشر من أيلول (سبتمبر) الذي يحمل عنوان "السعودية والانبعاثات الكربونية"، استشهدت بدراسة حديثة نشرت قبل أسابيع قليلة أجرتها جامعة "ستانفورد" بالتعاون مع 15 جهة عالمية رائدة، حيث حصدت السعودية المركز الثاني عالميا بين أقل منتجي النفط من حيث كثافة الانبعاثات الكربونية. ذكرت أيضا في المقال ذاته بعض الخطوات العملية الفاعلة التي تقوم بها "أرامكو السعودية" للحفاظ على البيئة. الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الوقود الأحفوري كان وما زال وسيبقى إلى عقود طويلة، المصدر الأول والأجدى للطاقة في العالم، وقد ذكرت سابقا في كثير من المقالات أن مصادر الطاقة الأخرى على سبيل المثال لا الحصر: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية ليست إلا مصادر مكملة للوقود الأحفوري تخفف من استنزافه بصورة مطردة كمصدر ناضب للطاقة. الدراسة الاستشرافية التي أجرتها "إكسون موبيل"، وهي إحدى الشركات المختصة التي يشار إليها بالبنان، تتوقع أن الوقود الأحفوري "النفط - الغاز - الفحم" سيشكل ما يقارب 88 في المائة من مصادر الطاقة في العالم بحلول عام 2040. لذلك، أجد بعض الريبة من نتائج بعض الدراسات من بعض الجهات التي تتهم الوقود الأحفوري بشكل مطلق بالاحتباس الحراري وتغير المناخ، وأشعر - من وجهة نظر شخصية - بنوع من التسييس لهذا الملف لأغراض خاصة ليس منها بلا شك الحفاظ على البيئة وحماية كوكب الأرض من الكوارث الناتجة عن النشاط البشري! كما ذكرت في المقال السابق، أن الهدف من هذه السلسلة هو دراسة الموضوع من زاوية علمية بحثية، وسأحاول قدر المستطاع تحييد العوامل السياسية والاقتصادية المتعلقة به لأجيب عن السؤال الذي ما زال قائما "هل هناك علاقة بين الوقود الأحفوري والاحتباس الحراري؟". نكمل ما بدأناه في المقال المقبل - بإذن الله.
مشاركة :