لا تعد بريطانيا الخاسر الوحيد من عملية خروجها من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وليس هناك دلالة على ذلك أكثر من كلمات رئيس الوزراء الهولندي مارك روت التي قال فيها إن "هولندا متأهبة أكثر من بريطانيا للخروج الصعب من الاتحاد الأوروبي". التصريح اليائس لرئيس الحكومة الهولندية لم يكن مبالغًا فيه؛ لأن "أمستردام" تنظم بالفعل خلال الأشهر الأخيرة سيناريو محتملًا لمعالجة الأضرار التي ستطالها بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس من العام المقبل. وبحسب ما ذكرت صحيفة "كونفدنسيال" الإسبانية، فإن هولندا تعد من البلدان الأكثر تضررًا من عملية "بريكست"؛ حيث تبلغ قيمة الأضرار الناجمة عن انخفاض التبادل الاقتصادي مع بريطانيا نحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي الهولندي، وهو ما يترجم إلى خسائر بقيمة 10 مليارات يورو. وقالت الصحيفة -في تقرير ترجمته "عاجل"- إن المملكة المتحدة تعد أكبر شريك تجاري لهولندا في مجالي الزراعة وصيد الأسماك بعد جارتيها ألمانيا وبلجيكا. ويسهم تصدير السلع والخدمات إلى الأراضي البريطانية بنسبة 3.2% في الناتج المحلي الإجمالي الهولندي، أي نحو 23 مليار يورو سنويًّا. وفي عام 2017، بلغت صادرات هولندا من المنتجات الزراعية فقط 8.6 مليار يورو إلى المملكة المتحدة، بما يعادل 9.4% من إجمالي صادرات المنتجات الزراعية الهولندية إلى جميع أنحاء العالم. ويمكن أن يكون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثير هام في هذا التدفق التجاري، الذي يعتمد حجمه بشكل أساسي على العلاقة المستقبلية ومضاعفة الحدود التي سيطلبها الوضع الجديد. ويمكن أن يكون السيناريو الأكثر سوءًا -الذي وصفته وزيرة الزراعة "كارولا شوتن" بـ"حافة الهاوية"- هو تخلى المملكة المتحدة عن نظام منظمة التجارة العالمية (WTO)؛ حيث سيتم تطبيق تعريفات جديدة أعلى بكثير مما كانت عليه. ووفق الأرقام الرسمية، يمكن أن يصل تأثير هذا السيناريو في عام 2025 إلى انخفاض في القيمة الإجمالية للإنتاج يقرب من 2% (500 مليون يورو)؛ نظرًا إلى الضغوط وارتفاع الأسعار. وستكون هناك أيضًا تأثيرات، وإن كانت بدرجة أقل، إذا توصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى اتفاقية تجارة حرة، بافتراض عدم فرض أي رسوم استيراد على الواردات وخفض تكاليف التسويق. ولذلك فإن عدم وجود اتفاق سيؤدي إلى أن تكون التجارة مع المملكة المتحدة مصحوبةً بتكاليف جمركية وغيرها من النتائج المختلفة لمتطلبات الوصول إلى الأسواق الخاصة بكل قطاع، مثل التحقق من الشهادات والوثائق على الشحنات. على سبيل المثال، مقارنةً بالقيمة الحالية للواردات والصادرات التي لا تشمل الرسوم الجمركية أو ضريبة القيمة المضافة، فإن التكلفة سترتفع من 0.7% إلى 1.9% في قطاع اللحوم، ومن 0.8% إلى 1.3% في قطاع الزهور العطرية. كما سيتأثر قطاع الصيد بهذا الانفصال؛ حيث يعتمد العديد من الصيادين الهولنديين، بشكل كبير، على مياه المملكة المتحدة، ولا سيما أولئك الذين يصطادون أسماك الرنجة أو التونة أو الماكريل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بيع الأسماك في أنحاء البلاد، لا يعتمد على إمدادات أسطول الصيد الهولندي فقط، بل وعلى الأسماك التي تنقلها السفن البريطانية إلى الموانئ الهولندية أيضًا. بجانب ذلك، سيؤدي الانخفاض الكبير في حجم التجارة إلى انخفاض في عائدات الضرائب أيضًا؛ حيث يشعر الهولنديون في الوقت الحالي بالقلق من التأثير في مواردهم المالية؛ لأن فكرة الإسهام بشكل أكبر في الاتحاد الأوروبي لم ترض أبدًا الحكومة أو المعارضة أو الشعب الهولندي. وقرر مجلس الوزراء الهولندي زيادة الموظفين الجمركيين بنحو 20% للرقابة على الصادرات، وسيتم أيضًا تدريب 930 ضابطًا ليكونوا جزءًا من قوات الحدود، خاصةً في ميناء روتردام أكبر منفذ بحري للاتحاد الأوروبي. وستقوم هيئة الأغذية الهولندية أيضًا بتدريب أطباء بيطريين إضافيين لتعزيز الرقابة على الحيوانات. ولمواجهة ذلك، خصصت الحكومة مبلغًا إضافيًّا يقارب 100 مليون يورو.
مشاركة :