كانا صغيرين عندما أخذا من «كالابار» في نيجيريا.وعبر المحيط الأطلسي الذي تحول إلى أكبر رافعة بشرية لنقل «الزنوج» من أفريقيا إلى العالم الجديد، سيصل الصغيران كعبدين في مزارع السكر عند سيد أبيض يعشق حفلات الشواء وتربية الخنازير، وكلما أغمضا عينيهما أثناء العمل يتذكران ساحر القبيلة في أيامه الأخيرة وهو يرقص لهما مخرجا لسانه ويدب الأرض بخفه، تعبيرا لهما على أنهما سيقدمان ملهاة كوميدية غير منطقية بالنسبة لأفراد القبيلة.إنهما الأخوين ليتل إفرايم روبن جون وإنكوانا روبن جون، واللذان قررا أن ينضما إلى حركة إلغاء العبودية الإنكليزية بمجرد حصولهما على حريتهما.وليتني عزيزي القارئ أملك تحريف التاريخ لكي أقول لك نهاية قصة أكثر تفائلا وإلهاما، ولكن الحقيقة أنهما قدما نموذجا للرجل الذي يلبس جلده بالمقلوب.بمجرد عودتهما إلى أفريقيا أصبحا من تجار الزنوج، حتى أن ليتل إفرايم اعتاد أن يقول لأبناء وطنه الذين باعهم أثناء تحميلهم فوق ظهر السفينة:- إنكم تعتقدون أنني أضع في ايديكم أغلالا من حديد... ولكن صدقوني إنها أساور من ذهب.كيف نفسر هذا الموقف الغريب، وما الدواعي؟ وكيف ولماذا ويا للهول! كلها أشياء خارج أهداف المقال ويمكن أن نفكر فيها في ما بعد. أما الآن فما أريد أن أشير إليه هو أنه كيف يخرج علينا رجل يرتدي الزي العربي، وقد قرر أن يلبس جلده بالمقلوب ليقول لنا كل يوم:- اهجروا تراثكم وعاداتكم وتقاليدكم وأنماط تفكيركم وتعاملكم مع الطبيعة والإنسان واهدموا منظومتكم الأخلاقية، ولا تعيروا الدين اهتماما لأنه أيديولوجيا، وهلم نطبع مع إسرائيل ولن نتقدم من دون ذلك!إنه أحد أولئك الذين جعلوا الشيطان ذاته يستند على جدار استديو البث وهو يبكي ويتضور جوعا، لأن الذين قرروا تغيير جلودهم على الشاشات لم يتركوا له عملا أو مكانا يتغذى عليه.الذين يعتقدون أن الحلول لا تكون إلا بأخذ المجتمع من تلابيبه وهزه وتذكيره بأن الدين والفقه الإسلامي والأخلاق والسلوك والرقائق كل هذه أشياء ليست معيبة ولها احترامها ولكنها تأخذنا إلى قاع الحفرة.وأثناء رقصهم حول الحفرة وبدلا من إعادة قراءة الهوية الإسلامية والوطنية والمجتمعية لإصلاح الهوية المتراكمة عبر أكثر من 1400 عام، يعيدون ترجمتها ثم استفراغ هوية أخرى تحت مبررات العولمة والتقدم وتطور الوعي البشري والسلام المزعوم.ثم في حفلة شواء لم يتخلف عنها سوى الشيطان نفسه يقولون:- أنتم عبيد لأنكم تحملون ثقافة العبيد، وستظلون عبيدا لأنكم تعيشون حاملين معكم التراث والفقه وعاداتكم.وقد غاب الشيطان عن حفلة الشواء لأنه يعلم أن هذه المقولة تحديدا قد صنفت ضمن أكثر خمس مقولات حمقاء في العالم.ويحار المرء كيف يمكن لهؤلاء القوم أن يضعوا أساور من ذهب وتكنولوجيا ونظريات علمية حول أعناقنا، في الوقت الذي يستعبدون فيه الجميع لغير الله، ثم يرددون ما اعتاد ليتل إفرايم أن يقوله للراحلين إلى الشمال. طابور الشمال الخامس الفاقد لمعايير الجودة أثناء تعامله مع التراث ومع هزائمنا.وباختصار وحفاظا على حبر المطابع، فإن أي إصلاح للتراث لن يكون إلا من خلال تراكماته والبناء على ما هو موجود فيه ومراعاة قيمه العليا وممارساته التي ظلت محافظة على نفسها إلى اليوم، أما المقولات الحمقاء والمستعارة من الخارج فيمكن لكم أن تجمعوها في برميل وتحرقوها في ليالي الشتاء أو حفلات الشواء، وكما تشيرون لسلبيات التراث فعليكم الإشارة لإيجابياته لكي لا يصبح حالكم كحال ذلك الخبير المعتوه الذي ذكره بيغوفتش حيث ايقظه الصيادون من نومه وعرضوا عليه سمكة أفعوانية بلون غريب كانوا اصطادوها للتو، فتطلع للسمكة وقال:- مثل هذه السمكة غير موجودة في البحار.ثم أكمل غفوته ليؤكد أن هناك حقا مقولات حمقاء في هذا العالم تجعل الشيطان نفسه يرفض الحضور لحفلات الشواء رغم أنه يتضور جوعا.moh1alatwan@
مشاركة :