كشف تقرير جديد للبنك الدولي أن «الاقتصاد في قطاع غزة آخذ في الانهيار تحت وطأة حصار مستمر منذ عشر سنوات، وشح السيولة أخيراً على نحو لم يعد معه تدفق المعونة كافياً لتحفيز النمو، ما أسفر عن وضع مثير للقلق، إذ يعاني شخص من كل اثنين من الفقر، ويصل معدل البطالة بين السكان، الذين يغلب عليهم الشباب، إلى أكثر من 70 في المئة». هذه الخلاصة جاءت عشية إلقاء الرئيس محمود عباس، الذي يفرض عقوبات قاسية على مليوني فلسطيني في القطاع، خطابه الثالث عشر منذ انتخابه عام 2005، أمام الجمعية العامة. ومن المقرر أن يقدم البنك الدولي أحدث تقاريره إلى اجتماع لجنة الارتباط الخاصة في نيويورك غداً، وهو اجتماع على مستوى السياسات يُعقد مرتين كل عام لتقديم المساعدة الإنمائية إلى الشعب الفلسطيني. وسلَّط التقرير الضوء على التحديات الخطيرة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، ويُحدِّد الحاجات في الفترة المقبلة، في وقت يتسع شرخ الانقسام بين حركتي «فتح» و «حماس». وأشار إلى أن «الاقتصاد في غزة في حال انهيار شديد، إذ بلغ معدل النمو سالب 6 في المئة في الربع الأول لعام 2018، والمؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور». وقالت مديرة البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة وممثلته المقيمة في الضفة الغربية وغزة مارينا ويس، إن «عوامل الحرب والعزلة والصراعات الداخلية تكالبت، تاركة اقتصاد غزة في حال من الشلل تفاقمت معها المحن الإنسانية»، مشيرة إلى «وضع يعاني فيه الناس الأمرّين لتلبية متطلبات الحياة الأساسية، ويكابدون أحوال الفقر المتفاقمة، واشتداد البطالة، وتدهور الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، وضع يتطلب حلولاً عاجلة وحقيقية ومستدامة». وبنشر التقرير، يكون البنك انضم إلى عدد من منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والمحلية التي تدق ناقوس الخطر منذ سنوات عدة من دون جدوى. وكانت الأمم المتحدة أعلنت قبل سنوات أن القطاع سيصبح غير قابل للحياة العام 2020، إلا أن تشديد الحصار الإسرائيلي وفرض عباس عقوبات قاسية قبل 16 شهراً سرّع في الانهيار، إذ توقف 85 في المئة من مصانع القطاع عن العمل. ويخشى معظم الفلسطينيين من أن تحل المجاعة في القطاع، في حال استمر التدهور، وفرَض عباس عقوبات جديدة للضغط على «حماس» لتسليم القطاع لحكومته، كما يخشون من اندلاع حرب أهلية أو اقتتال داخلي على غرار ما جرى منتصف العام 2007 عندما سيطرت الحركة على القطاع بعد صراع دام على السلطة مع حركة «فتح» التي يتزعمها عباس. لكن الخوف الأكبر لدى الفلسطينيين هو أن توجه «حماس» الضغط الداخلي للانفجار في وجه إسرائيل، ما يعني جر القطاع إلى حرب رابعة قد تدمر ما تبقى من مبان ومنشآت. وجاء التقرير في وقت حذر المفوض العام لـ «وكالة الأمم لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) بيير كرينبول من أن «المدارس والمراكز الصحية قد تضطر إلى إغلاق أبوابها في غضون أسابيع، ما لم يتم الحصول على تمويل لتعويض العجز في الموازنة البالغ 185 مليون دولار». وقال لوكالة «رويترز» إن «لدى الوكالة أموالاً تكفيها للصمود حتى منتصف الشهر المقبل، ومن الواضح أننا ما زلنا في حاجة إلى 185 مليون دولار تقريباً حتى نتمكن من ضمان أن خدماتنا وأنظمتنا التعليمية والرعاية الصحية، والإغاثة والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى عملنا في مجال الطوارئ في سورية وغزة خصوصاً، يمكن أن يستمر حتى نهاية العام». وقالت ويس إن «الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة آخذة في التدهور منذ أكثر من عشرة أعوام، لكنها تدهورت بشدة في الأشهر الأخيرة، ووصلت إلى نقطة حرجة. ويغذي تزايد مشاعر الإحباط وخيبة الأمل التوترات المتزايدة التي بدأت تتسع رقعتها فعلاً، وتتحوَّل إلى اضطرابات، وتعرقل التنمية البشرية لشريحة الشباب الكبيرة في القطاع». وشددت على أن «رأس المال البشري الفلسطيني، الذي يغلب عليه الشباب ويتمتع بحظ وافر نسبياً من التعليم، يمكن أن يكون مصدراً لإمكانات هائلة، ومن شأن تجديد تأكيد أهمية توفير الوظائف، أن يؤتي ثماره بدرجة كبيرة لجهة التنمية الاقتصادية. حان الوقت الآن للأطراف المعنية أن توحد صفوفها وتعمل معاً على تهيئة بيئة مناسبة تتيح الفرص لهؤلاء الشباب».
مشاركة :