رحل عن عالمنا أمس الثلاثاء الموافق ٢٥ من سبتمبر ٢٠١٨، واحد من أهم مفكرينا الذين التصقوا بأوجاع هذا الوطن، فلم يكن جلال أمين، مجرد أستاذ أكاديمي وعالم اقتصاديّ كبير، بل كان مهمومًا بحب الوطن والمصريين وأحوالهم المعيشية والتى تجلت فى معظم كتاباته وأفكاره، لاسيما الاجتماعية منها، فقد حول علم الاقتصاد سواء فى الدرس الأكاديمى أو فى كتاباته إلى علم أكثر إنسانية، علم فيه روح وحياة بعيدا عن جمود المعادلات الرياضية والانحرافات المعيارية وحسابات الأرباح والخسارة والعرض والطلب.. إلخ. أثبت جلال أمين فى جل كتاباته أن المفكرين ليسوا نبتا شيطانيا فى جسد المجتمع بل هم منه ومنغمسون فى أتراحه وأفراحه ويتألمون لآلامه، ولد الكاتب والمفكر جلال أمين فى مدينة القاهرة عام ١٩٣٥، وهو ابن الأديب والمفكر والمؤرخ أحمد أمين، وهو صاحب تيار فكرى مستقل، تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام ١٩٥٥، وحصل بعدها على درجتى الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، شغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس من ١٩٦٥ وحتى ١٩٧٤، وعمل مستشارًا اقتصاديًا للصندوق الكويتى للتنمية من ١٩٧٤ إلى ١٩٧٨، كما عمل أستاذًا زائرًا للاقتصاد فى جامعة كاليفورنيا من ١٩٧٨ إلى ١٩٧٩ وأستاذًا للاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة من ١٩٧٩. قام بتحويل سيرته الذاتية إلى سيرة وطن فقارن بين ظروف نشأته وظروف نشأة والده ومن ثم أولاده وأحفاده، ويرجع الملاحظات الخاصة (التى قد تكون عادية ويعتبرها البعض عابرة) إلى ظواهرها وأصولها العامة فيربط الخاص بالعام ويتحول الفرد إلى مرآة عاكسة لمجتمعه.. ويتحول كتاب السيرة الذاتية إلى كتاب يتناول حياة أجيال بكاملها، فقد تناول فيه بعض التفاصيل الشخصية وكن بهذا الربط الحيوى والذكى مع الأسباب العامة فعندما يتحدث عن إخوته الثمانية والاختلاف فى شخصية كل منهم، رغم نشوئهم فى بيئة واحدة يكاد يرسم لوحة كبيرة لكل منهم بطريقة شديدة الذكاء والصراحة أيضا.. ويتناول تحوله الفكرى العميق والهادئ من القومية فى بواكير شبابه إلى الاشتراكية إلى المادية الوضعية، إلى أن وصل إلى مرحلته الأخيرة فى نظرته الإيجابية والمتعاطفة مع الدين عموما والإسلام خصوصا، وهى نظرة أخرجته من صف اليساريين ولكن لم تضعه بالضبط فى خانة «الإسلاميين».
مشاركة :