انتهزت الدول المعنية بالملف الليبي ولا سيما فرنسا وإيطاليا اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبلورة موقف غربي موحد بشأن ليبيا، ما من شأنه المساعدة على حل الأزمة التي تشهدها البلاد والتي تعمقت بسبب الخلافات الدولية بشأنها. نيويورك – تكثفت المشاورات بين الدول الغربية وتحديدا بين فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة بشأن الملف الليبي الذي حضر بقوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت تقارير إعلامية الأربعاء إن الحكومة الإيطالية ستنتهز الحضور الدولي الكبير خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لإجراء عدة لقاءات ثنائية بشأن الأزمة الليبية، التي تبقى “الأولوية الجيوسياسية” بالنسبة لروما. وذكرت وكالة أكي الإيطالية أن وزير الخارجية إينزو موافير ميلانيزي، الذي سبق رئيس الحكومة جوزيبي كونتي في الوصول إلى نيويورك، بدأ الثلاثاء على الفور سلسلة من الاتصالات المكثفة، ويركز جزء كبير من هذا الجهد على الأعمال التحضيرية لمؤتمر ليبيا الدولي، المقرر تنظيمه في نوفمبر في إقليم صقلية جنوب البلاد. وأشارت إلى أن رئيس الدبلوماسية الإيطالية يتحرك من أجل تحقيق هدفين. أولاً: إشراك الأميركيين على أعلى المستويات في المؤتمر الدولي حول الأزمة الليبية، عبر إقناع وزير الخارجية مايكل بومبيو بالقدوم إلى صقلية. أما الهدف الثاني فيكمن في تجاوز التناقضات مع فرنسا، من أجل الحصول على تعاون كامل من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ونوهت إلى أنه تمّ تحديد الأربعاء موعدا للقاء ثنائي بين موافير ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، مذكرة بأن الأول يعتبر المؤتمر الدولي الإيطالي حول ليبيا بمثابة “امتداد طبيعي” لقمة باريس التي انعقدت في مايو الماضي. وتتضارب رؤيتا فرنسا وإيطاليا بشأن ليبيا، ففي حين تصر باريس على ضرورة إجراء الانتخابات كحل أخير لتوحيد مؤسسات الدولة التي عجزت المفاوضات عن توحيدها -وهو ما عكسه مؤتمر باريس الذي حدد العاشر من ديسمبر المقبل موعدا لإجراء الانتخابات- تصر إيطاليا على ضرورة استمرار المسلسل التفاوضي وإصدار دستور للبلاد أولا. ودعا إيمانويل ماكرون الثلاثاء المجتمع الدولي إلى إنهاء انقساماته حول ليبيا إذا ما أراد إخراج هذا البلد من أزمته، في رسالة موجّهة بشكل خاص إلى إيطاليا. عدد من المراقبين يرون أن فرنسا اطلعت على الصعوبات على الأرض ولم تعد تدفع باتجاه تنظيم انتخابات في ديسمبر وقال إيمانويل ماكرون من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة “لن نمنح الليبيين سبل الخروج من الأزمة إذا استمرينا في انقسامنا، إذا أصبحت ليبيا، كما هي في الكثير من الأحيان، ميداناً تتواجه فيه التأثيرات الأجنبية”. وإيطاليا، التي تربطها علاقات تاريخية بليبيا، تؤاخذ فرنسا على رغبتها في التفرّد بمعالجة الأزمة الليبية من خلال الدفع باتجاه تنظيم انتخابات في ديسمبر المقبل، في خطة تلقى أيضا تحفظاً من جانب الولايات المتحدة الأميركية. وقد اتهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني -زعيم اليمين المتطرف والرجل القوي في الحكومة الإيطالية- فرنسا بأنّها “تعرّض كل شمال أفريقيا، وبالتالي أوروبا، للخطر” بسبب “دوافع اقتصادية قومية” في ليبيا. ولكن إيمانويل ماكرون جدّد من على منبر الأمم المتحدة التأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا بموجب الاتفاق الذي أبرمته في باريس هذا العام أطراف النزاع في هذا البلد. وقال الرئيس الفرنسي “في باريس، تعهّد الليبيون بأن ينظّموا سريعاً انتخابات تعيد توحيد مؤسسات الدولة”، دون أن يذكر تاريخ 10 ديسمبر الذي تريده فرنسا موعداً لإجراء هذه الانتخابات. وأضاف ماكرون “يجب أن تتمّ هذه الالتزامات تحت رعاية الأمم المتحدة وبتعاون وثيق مع الاتحاد الأفريقي”. وحذّر الرئيس الفرنسي من أن “الوضع الراهن يسمح للميليشيات الليبية والمهرّبين بتعزيز أوضاعهم وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها”. وكانت فرنسا دعت الاثنين المجتمع الدولي إلى ممارسة أقصى ما يمكن من الضغوط، مع فرض عقوبات، ضد أولئك الذين يمارسون العنف في ليبيا. وشهدت العاصمة طرابلس على مدى نحو شهر اشتباكات متقطعة بين ميليشيات تتصارع على النفوذ، الأمر الذي أعطى انطباعا بعدم توفر مناخ أمني لإجراء تلك الانتخابات. إيطاليا تركز على ضرورة إشراك الأميركيين على أعلى المستويات في المؤتمر الدولي الذي ستنظمه حول الأزمة الليبية وبدوره قال جان إيف لودريان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، “يجب أن نبدي المزيد من الحزم حيال الذين يرغبون في فرض الأمر الواقع لمصلحتهم وحدهم”. وعقد وزير الخارجية الفرنسي الثلاثاء اجتماعا مع نظرائه في الدول المجاورة لليبيا (الجزائر وتونس ومصر والنيجر وتشاد)، وممثلين عن إيطاليا وأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، للحصول على دعم في هذا الاتجاه. وحضر الاجتماع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، عبر الفيديو من طرابلس. وقالت باريس إن كل المشاركين عبروا عن «وحدة الأسرة الدولية في مواجهة الجماعات المسلحة التي تحاول اللعب على انقسامات واقعية أو مفترضة بين الأطراف الإقليميين والأوروبيين لمنع أي تقدم لإجراء الاستحقاقات الانتخابية» ويرى عدد من المراقبين أن فرنسا اطلعت على الصعوبات على الأرض ويبدو أنها لم تعد تدفع باتجاه تنظيم انتخابات في ديسمبر في ليبيا وفق برنامج أقر في باريس خلال مايو الماضي. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن “هذا البرنامج الزمني قرره الليبيون أنفسهم وليست باريس (…) وإذا رأى غسان سلامة والمسؤولون الأربعة الذين قطعوا التعهد في باريس (بشأن هذا البرنامج)، أنه يجب تأجيل الموعد، فلِم لا؟”. وتؤكد باريس أن المهم هو الإبقاء على حراك باتجاه الانتخابات وتشدد على أنها متفقة مع روما حول هذه النقطة، وأن لديها “إرادة للتعاون”رغم التوتر في الأسابيع الأخيرة. وأشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أنه “تم تبادل عبارات قاسية لكن لدينا تشخيص واحد للوضع”. وينظر المتابعون الآن بالكثير من الترقب إلى مؤتمر روما الذي من المتوقع أن تتضح فيه الرؤية الغربية لحل الأزمة الليبية.
مشاركة :