حضرت في بداية الشهر الجاري، ندوة أقامها المركز الثقافي في جمعية المحامين الكويتية، حول الرقابة على الكتب، وكان عنوانها «مُنع في الكويت». وفي رأيي الندوة كانت متميزة بعدة مقاييس: ابتداءً بتنظيمها وإدارتها، ومروراً بكلمات المتحدثين الضيوف والمستضيف، وانتهاءً بتعقيبات الحضور وأسئلتهم. فعلى سبيل المثال، ضيوف تلك الندوة كانوا كروافد متنوعة لنهر الحريات الفكرية، وهم حسب ترتيب كلماتهم: المحامي خالد الشطي، النائب الذي وجه السؤال البرلماني التفصيلي إلى وزارة الإعلام في شأن الرقابة على الكتب، والباحث الدكتور محمد البغيلي، المؤلف الذي منعت الرقابة اثنين من كتبه، والاستاذة إيمان حيات، عضو الحركة الليبرالية الكويتية المنحلة.بالرغم من رغبتي باستعراض ما طرح في الندوة في مقال ذلك الاسبوع، إلا أنها تأجلت ثلاثة أسابيع، بسبب انشغالي بملفات أخرى عاجلة، طرأت خلال تلك الأسابيع.بعد الكلمة الجميلة لمدير الندوة المحامي أحمد بوشهري، تطرق النائب الشطي إلى تعريف مساره النيابي لدعم الحريات في الكويت. فأشار إلى منهجيته العلمية في التعاطي مع أزمة منع الكتب، من خلال توجيه سؤال فني إلى وزارة الاعلام، لمعرفة حجم الأزمة خلال السنوات الخمس الأخيرة. فجاءه الرد في 16 كرتونة تحمل أسباب منع 4390 كتابا في تلك الفترة! وأوضح أنه الآن في مرحلة تحليل تلك البيانات، بالتعاون مع أفراد وهيئات مجتمع مدني مهتمة بالحرية الفكرية. وأضاف أن وجهته المنظورة هي تشريع قانون يجعل الرقابة على الكتب لاحقة للنشر، وبسلطة القضاء، أي بصورة مماثلة للرقابة الحالية على الصحف.ومن جهته طالب الدكتور البغيلي بإعادة صياغة المشهد السياسي الثقافي في الكويت تجاه قضية الرقابة على الكتب، لتكون واقعية وليس مثالية. فهو يرى أن التحركات المطالبة بحرية ابداء الرأي والفكر، يجب أن تكون من جانب متوافقة مع حقيقة وجود رقابة مفهومة ومنطقية على الكتب في الدول المتقدمة، ومن جانب آخر يفترض أن تكون متسقة مع واقع تواطؤ المثقف والسياسي والمتدين الكويتي مع الحكومة في المنع التعسفي. وفي شأن آخر، حذر من الانجرار وراء أزمات سياسية مفتعلة على خلفية قرارات منع قديمة. ولكنه في الوقت ذاته، أكد على أهمية مراقبة لجنة الكتب بالإعلام على قراراتها المستقبلية لمعرض الكتاب القادم، فضلا عن وضرورة محاسبة النواب المتخاذلين عن حماية حرية الفكر، ووجوب الامتناع عن التصويت لهم في الانتخابات القادمة.وأما الاستاذة حيات، فكان لها رأي أكثر تحررا بشأن الحريات الفكرية. حيث قالت «إننا نعيش في عصر العولمة والانفتاح والمعلومات، ولم يعد من المقبول قمع الفكرة وإسكات الرأي وفرض الوصاية». كما طالبت المجتمع المدني بوقفة جادة لتصحيح المسار، وإصلاح القوانين المقيّدة للحريات.وبعد الانتهاء من كلمات الضيوف الثلاثة، جاء الدور لكلمة الجهة المستضيفة، حيث تحدث الأستاذ شريان الشريان، رئيس جمعية المحامين الكويتية، الذي صرح أنه «لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ما لم يكن للكتاب قيمة، وما لم تلغَ الرقابة اطلاقا» على الكتب الفكرية. لأن الرد المناسب على الأفكار المرفوضة المتضمنة في الكتب، يجب أن يكون عبر مواجهتها بفكر مقابل، وليس بمنع الكتب، «فالفكرة يرد عليها بفكرة، والنظرية يرد عليها بنظرية». واستدرك مؤكدا حرصه على مراعاة المحاذير الأخلاقية، من قبيل منع الكتب التي تحث على الرذيلة. من أجمل ما في الندوة، هو اتفاق المتحدثين الأربعة في مساحة واسعة، بالرغم من تنوعهم الفكري. وسأكتفي هنا بالإشارة إلى رقعتين فيها: الأولى عدم صلاحية المنظومة الحالية للرقابة على الكتب، وضرورة اصلاحها «بفروسية» و«واقعية». والرقعة الثانية خاصة بمسؤولية المجتمع عن استمرار واستفحال التعسف الحكومي في منع الكتب الفكرية، وقدم النائب الشطي دليلا عليها، حيث ذكرنا بأننا شهدنا العديد من الاستجوابات التي قدمت إلى وزراء إعلام على خلفية ترخيص كتب، ومن بينها استجوابات اعدمت وزراء سياسياً، ولكننا لم نسمع عن استجواب لوزير بسبب منع كتاب، ونعلم أن مصيره الفشل إن قدّم. المراد أن الجمعية تستحق الشكر على تنظيمها الندوة التي كانت أقرب إلى جلسة عصف ذهني أكاديمي مثمرة، والأستاذ الشريان يستحق شكرا كبيرة على صموده أمام الضغوط التي تعرض لها بعد الإعلان عن تنظيم الندوة. وأرى أن نتائج الندوة يجب أن تستثمر وتنمو، لذلك أدعو جمعيتي الخريجين وحقوق الانسان إلى الاقتداء بجمعية المحامين... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :