أمضت كاثرين بو ثلاث سنوات في إحدى عشوائيات مومباي تجمع مادة دراماتيكية لكتابها «خلف الأبديات الجميلة»، وإذ أراد الناشر تقديما مثيرا للكتاب وضع على غلافه أنه «مثل رواية». جدتي أيضا كانت تصف الحقائق الأليمة أو الصعبة بأنها «مثل الحكاية». جدتي، والناشر الأميركي، لا يعرفان أن كل حكاية وحتى أسطورة أو خرافة أو مخيلة، تظل دون حقائق الإنسان. ما هي قصص «ألف ليلة وليلة» أمام ليلة واحدة من ليالي الحرب العالمية الثانية؟ لكن الاستعارة طريقة من طرق التشبيه. كأن تقول، إن الطيور تصدح كالموسيقى، فيما الموسيقى استعارة من صداح الطيور، أو تقول إن وجه امرأة جميل مثل قصيدة، في حين أن الشعر وجه من أوجه الجمال، فهل هو أجمل من وادي الورود في بلغاريا، أو الغروب في تدمر، أو الدعاء في صوت محمد صديق المنشاوي؟ الرواية فن رائع. لعله في الأدب أروع الفنون ولو أغضب ذلك محبي الشعر ومفتوني الإيقاع. لكن الرواية شيء من كل شيء. شعر وفكر وحكايات وذروات وحوار وتاريخ وقراءة في النفس وصور وعبر وسبك وحبك وأدوار وتاريخ وإيحاءات وخلاصات. هي الحياة، لذلك، عندما نريد للحياة وصفا أقصى، نقول إنه مثل الرواية! في حين أن في الحقيقة لا شيء مثل الحياة، لأن الحياة كما كانت تقول جدتي التي لا تقرأ ولا تكتب ولا تحب مشاهدة التلفزيون أو الإصغاء إلى الراديو، مجموعة أسرار مغلقة كلما توصلت إلى معرفة أحدها برز لك الآخر. وضعت حنان الشيخ كتابها «حكايتي شرح يطول» على أنه مقابلة موسعة مع أمها قبيل وفاتها. كل ما ورد فيه كان حقيقيا، لكن الناشر أصر على وصفه بـ«الرواية». اعترضت المؤلفة بداعي أن الرواية عمل متخيل وهذه سيرة واقعية، فكان الرد أن القارئ يفضل الرواية. ذهبت كاثرين بو إلى عشوائيات مومباي كما نقل تشارلز ديكنز من أحياء الفقر في لندن. الرواية نقل من الحكاية، لكن السرد يحولها إلى «رواية». ونحن نقول عن حدث ما، إنه «مسرحية» مع أن المسرحية هي فصل صغير من فصول الحياة. يبقى أن كتاب كاثرين بو عن الفقر في مومباي هو حقا رواية، لأن الحقيقة لا يسعها مجلد.
مشاركة :