الأرجح أن الناس تريد أن تنسى، أو أن الوقت لم يحن بعد لكتابة رواية السنوات الأربعين الماضية، أو أن ما عرف من فظائع ألغى احتمال اللجوء إلى الصناعة الروائية من أجل تصوير الحياة البشرية في ظل العهد المنقضي، الذي لا يبدو منقرضا حتى اليوم. دخلت المكتبة وخرجت بكتابين حديثين عن ليبيا: الأول يعلن عن نفسه بأنه رواية عن الزمن الماضي، والثاني يوميات بالإنجليزية بعنوان «شاهدة على أحداث طرابلس» لمراسلة الـ«بي بي سي»، اللبنانية الأصل، رنا جواد. لعل اللغة الإنجليزية، خصوصا لغة المراسلة الإذاعية، تفرض على صاحبها التعيين والتحديد والاختصار. أما في الرواية الليبية فقد هام صاحبها حول العالم وفي بحور الأفكار، مما جعله بعيدا على الدوام عن موضوع الرواية وجوهر القضية. في شهادة رنا جواد نرى أجزاء الصورة الدرامية الليبية واضحة ومفصلة وموضوعة في ثقة. في أربعة أسطر تحدثنا عن أن هيلاري كلينتون ظهرت في الصورة مع معتصم القذافي، المستشار الأمني لوالده، وهو يرتدي بذلة بنية لماعة. ماذا تريد أن تقول؟ إن وزيرة خارجية أميركا سمحت لنفسها باستقبال رجل سيئ الصيت وليست له صفة رسمية تستدعي أن تلتقيه حتى سرا، فكيف تصويرا؟ هل تريد أن تدل على نوعية الذوق الذي يحمله المعتصم، الذي لم يجد من ينصحه بأن هذا النوع من الأطقم هو للغناء في الكباريهات؟ أكرر دوما أنني أشعر بخيبة أكثر مما يجب عندما أشعر بأنني أضعت الوقت في قراءة كتاب كان الأفضل لي، ولمؤلفه، حفظ الوقت الضائع. لكننا سوف نظل في انتظار صدور الرواية الليبية الكبرى ذات يوم عن مرحلة أبيد فيها السجناء المحاصرون، وعلقت مشانق الطلاب في الجامعات، وحكم خلالها بالصمت والحصار والفاقة والحاجة والحرمان على ملايين الناس. لكن الوقت لم يحن بعد. لم تصدق ليبيا حتى الآن أن كل شيء قد انتهى، وأن عليها أن تنهض إلى حياتها.
مشاركة :