لندن: محمد رُضا منذ أن نشرت مجلة «فوربس» الاقتصادية، في شهر يوليو (تموز)، قائمة الممثلين الذين أنجزوا أعلى الرواتب والإيرادات ما بين يونيو (حزيران) 2012 ويونيو العام الحالي، وهوليوود تتقلب على نار غير هادئة بسبب الوضع السائد ومدى تأثيره على الصناعة السينمائية إيجابا أو سلبا. الحال على أفضل ما يرام بالنسبة للبعض وعلى أقل مما يأمله البعض الآخر. روبرت داوني جونيور الذي اعتلى الرقم الأول في تلك القائمة سجل 50 مليون دولار إيرادا من فيلم واحد هو «المنتقمون»، الذي سجل مليار و500 مليون دولار من الإيرادات حول العالم. المبلغ فاجأ الوسط السينمائي، ليس لأن داوني لم يكن مطروحا كواحد من بين أكثر نجوم السينما نجاحا، بل لأنه لا أحد في هذا الفيلم، باستثناء شركتي إنتاجه «مارفل» و«ديزني»، حقق كسبا فرديا قريبا من هذا الرقم بما في ذلك جوس ويدون الذي ارتدى قبعتي الإخراج والإنتاج. الفيلم ذاته جاء مرصعا بعدد من المواهب المعروفة، من بينها كريس إيفانز الذي لعب شخصية «كابتن أميركا» ومارك روفالو (المخلوق العملاق) وكريس همسوورث (ثور) وسكارلت جوهانسن (الأرملة السوداء) وجيريمي رنر (هوك آي)، لكن مجموع أجر كل هؤلاء لم يزد عن 9 ملايين دولار دفعت لكل منهم كراتب مقطوع، في حين أن ما أنجزه داوني من أجر احتوى أيضا على نسبة من أرباح الفيلم حتى قبل أن يتم اقتطاع كلفته (وصلت إلى 220 مليون دولار). والمنهج الذي تدار به أسعار النجوم لا يختلف اليوم عما كان عليه بالأمس ولا عن أي سلعة أخرى من حيث علاقتها بالعرض والطلب، فلا أحد يجادل في موهبة الممثل إدوارد نورتون، لكن راتبه عن الفيلم الواحد هو مليون دولار (نال مليونا عن دوره الأخير كشرير فيلم «إرث بورن»). وفي حين أن مارك روفالو كان أفضل ممثلي فيلم «المنتقمون» إلا أن راتبه عن الفيلم لم يتعدَّ المليون دولار أيضا. ما هو سائد اليوم هو النظر إلى الممثل من حيث شعبيته ثم مكافأته على هذا النحو. ومع أن هذا النظام أمر معمول به منذ عصور سحيقة، إلا أن الأرقام حينها لم تكن كما هي عليه اليوم، وفي الأربعينات كان راتب جورج كلوني الحالي (10 إلى 15 مليون دولار) يكفي لإنتاج فيلم كبير. وعندما وجدت شركة «فوكس» أن كلفة فيلمها الضخم «كليوباترا» سنة 1963 تجاوزت الثلاثين مليون دولار عصفت بها أزمة اقتصادية كادت أن تطيح بها قبل أن ترتفع الكلفة إلى 44 مليون دولار هي ميزانية متواضعة لفيلم متوسط الكلفة هذه الأيام. والحاصل هو أن تحدد الإيرادات سعر الممثل مباشرة وعلى نحو لا يتطلب أي دراسة أو إحصاء، فما إن حقق فيلم «لصة هوية» في مطلع هذا العام 174 مليون دولار محليا (وهو الذي تكلف 35 مليونا) حتى ارتفع أجر ميليسيا مكارثي من نصف مليون دولار إلى مليوني دولار قبضتها عن فيلمها التالي «الحرارة» الذي هبط للعروض قبل ثلاثة أشهر. * صعود وهبوط لكن بقدر ما أن الموضوع ممنهج على نظام العرض والطلب، إلا أن هناك فوضى ملحوظة في بعض جوانبه. مثلا حين عرضت باراماونت على توم كروز مبلغ خمسة ملايين دولار مقابل الموافقة على تمويل مغامرته الرابعة في سلسلة «مهمة: مستحيلة»، رد باستعداده لقبض مليون دولار واحد كراتب في مقابل حصة من الإيرادات. النتيجة هي أن الفيلم حقق ما يكفي من الإيراد عالميا (693 مليون دولار)، بحيث فاقت حصة الممثل راتبه المعتاد وهو 12 مليون دولار. على ذلك، يمكن تقسيم رواتب الممثلين المرتفعة إلى ثلاث فئات، وعلى هذا الأساس فإن راتب روبرت داوني جونيور (بما فيه نسبته من الإيراد) هي فئة بحد ذاتها، خصوصا وأنه بات قادرا على طلب 30 مليون دولار مقطوعة كأجر. مبلغ لم يسبقه إليه أحد. الفئة الثانية هي تلك التي تتقاضى حاليا مبلغ عشرين مليون دولار عن الفيلم الواحد، ومن نجومها ول سميث الذي حافظ على سلسلة من النجاحات الكبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، وشهد ارتفاع أجره من خمسة ملايين إلى ثمانية ثم إلى عشرة فخمسة عشر، وصولا إلى المبلغ الحالي. المشكلة هي أن فيلمه الأخير «بعد الأرض» أخفق بطلاقة (كلف 130 مليونا وانتهى بلا أرباح رغم إيراد عالمي بلغ 245 مليون دولار). لفيلم «مسدسان» الأكشن تقاضى كل من دنزل واشنطن ومارك وولبرغ 20 مليون دولار. هذا على الرغم من أن السعر المرصود لواشنطن كان وصل إلى سقف الـ30 مليون دولار في السنوات الخمس الأخيرة. أما مارك وولبرغ فارتقى بقفزة سريعة، فهو قبل هذا الفيلم تقاضى مليوني دولار عن «المقاتل» ثم ثلاثة عن «ألم وربح» ثم طلب عشرين مليون دولار (ونالها) عن «مسدسان». ليوناردو ديكابريو هو أحد المنتسبين إلى هذه الفئة أيضا، إذ يتقاضى عشرين مليون دولار عن الفيلم الواحد باستثناء أنه حين لعب دورا ثانويا في «دجانغو طليقا» رضي بنصف المبلغ. وهناك بريطانيان من المنتسبين حديثا إلى عضوية نادي العشرين مليون دولار هما دانيال كريغ ودانيال ردكليف. الأول سيتقاضى، وللمرة الأولى، هذا المبلغ عن تمثيله شخصية جيمس بوند في الفيلم المقبل (ما زال بلا عنوان)، والثــــاني تقــــاضى المبلغ المذكور حينما لعب آخر حلقات «هاري بوتر» في العام الماضي، ولو أنه من غير الواضح ما إذا كــان الجمهور سيتبعه فعليــــا إلــــى غيـــر هذه السلسلة من الأفلام، إلى أن يتم التـــــأكد من مساحة شعبيته، فــــــإن سعره الحـــالي 12 مليون دولار. * دعايات هذا المبلغ هو أقل بثلاثة ملايين مما يتقاضاه البريطاني الثالث ليام نيسون، الذي لم تمنعه سنوات عمره الستون من القيام بسلسلة ناجحة من أفلام الأكشن، من بينها «الرمادي» و«مخطوفة 2». يشاركه الانتساب إلى هذه الفئة الثالثة كل من ماثيو مكونوهي وروبرت باتيسون وكرستين هيغ وكرستين ستيوارت. وكان من بين المنتسبين إليها الممثل سلفستر ستالون الذي قبض عشرة ملايين دولار عن «المستهلكون 2»، لكنه سيودع مصرفه 15 مليون دولار عن الجزء الثالث الذي يدخل التصوير قريبا. وهناك فئة رابعة لا يمكن تحديدها بسهولة، فهي تتقاضى رواتب مختلفة تبعا لطبيعة المشروع. في المقدمة هنا جورج كلوني، الذي يتقاضى عادة 6 ملايين دولار، لكنها ترتفع إلى عشرة ملايين إذا ما كان الفيلم إنتاجا مكلفا. وفي كل الأحوال، لدى كلوني دخل كبير من سوق الدعاية، فأجره عن إعلانات شركة القهوة «نسبرسو» بلغ 40 مليون دولار. ومثله في هذا الشأن المغنية بيونس التي تقاضت 50 مليون دولار لقاء دعايات لشركة «بيبسي كولا». كاميرون داياز لا يتجاوز أجرها عن الفيلم الواحد خمسة ملايين دولار، لكنها قبضت 42 مليون دولار عن عائدات إعلانية مختلفة. وكانت كاثرين زيتا جونز سباقة حين وقعت عقدا ينص على تقاضيها 20 مليون دولار عن سنة واحدة من الإعلان لصالح شركة «T. Mobile»، وذلك سنة 2002. * ماذا يفعل هؤلاء النجوم برواتبهم؟ يختلف الأمر من نجم إلى آخر. هناك من يتبرع بجزء منه لصالح مشاريع خيرية، وهناك من يوظفه في قضايا سياسية (تبرعات لأحزاب أو مساعدات للاجئين... إلخ)، وهناك من لا يصرفه إلا على شؤونه الخاصة. الثابت هو أن النجاح الجماهيري يصنع هؤلاء النجوم وثرواتهم. وهي الحال الطبيعية في كل مكان آخر. ما يميز هوليوود هو أن كل شيء فيها هو أكبر حجما من سواه في أي مكان آخر، بما في ذلك جنوح الأسعار وجنون المواهب.
مشاركة :