لاحظت وسائل الإعلام الأجنبية الرصينة، أن احتفاء السعوديين باليوم الوطني لبلادهم مختلف هذا العام عن كل ما سبقه في الأعوام الماضية... وهي ملاحظة صحيحة، رغم أنها تتكرر في كل سنة.. فالإعلاميون الذين يرصدون عفوية الشارع السعودي في المناسبة الغالية، لا يتنبهون إلى أن الذكرى يجب أن تمتاز دائماً لأننا لا نتوقف عن التقدم.. ففي كل عام لدينا جديد نضيفه إلى مفاخرنا.. حسناً، فلنحاول أن نقرأ مسيرتنا بموضوعية، وكأننا نرقب المشهد من بعيد. ولنبدأ من اليوم رجوعاً إلى 1932 عام توحيد المملكة، ولكن بطريقة البدء من الآخر flashback. نرى منذ ثلاثة أيام فقط: حفل تدشين أضخم مشروع سعودي، أي: قطار الحرمين السريع تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وهو أول قطار كهربائي سريع على مستوى المنطقة ويمتد طول مساره المزدوج 450 كلم، وتبلغ طاقته الاستيعابية 60 مليون مسافر سنويًّا. ويربط 5 محطات هي: مكة المكرمة، جدة، مطار الملك عبدالعزيز الدولي، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ، المدينة المنورة. ونرى الأمن والاستقرار بصمة سعودية في عالم شديد الاضطراب. ونرى تفوقاً في محاربة الإرهاب الذي سلطه علينا الأعداء لتدميرنا من الداخل، فوأدناه ولاحقناه إلى جحوره.. حتى صارت تجربتنا في استئصال جذوره أسوة يُحتذى بها، ومحل اهتمام أجهزة الأمن في كبريات الدول.. لأننا حاربناه بكل طاقاتنا فلم تكن حرب أجهزة متخصصة فحسب.. وحاربناه بشمولية فالبعد الأمني- على أهميته- لا يجدي إلا إذا تضافرت معه جهود متناغمة في مجالات التعليم والإعلام والعلاقات الاجتماعية... ونرى مجموعة تضم 20 دولة هي صاحبة الاقتصادات الكبرى في العالم.. وليس بينهم عضو عربي غير السعودية. ونسبة ذلك إلى النفط لا تأتي إلا من حفنة تجار يعانون من عقدة مزمنة إزاء النفط الخليجي فقط.. وهي أدنى من الانشغال بها، لأن تلميذ الابتدائية يمكنه أن يسألهم: وما الذي منع سائر الدول النفطية من الجلوس على مقاعد الكبار مثلما تتربع المملكة؟ نرى بنية أساسية رائعة وخدمات رفيعة المستوى ورفاهية باتت مضرب الأمثال. نرى بلداً شامخاً يقود ثقافة السلام والحوار بين الثقافات والحضارات، من أجل خير الإنسانية جمعاء.. نرى جامعات ومراكز أبحاث متوائمة مع أرقى نظيراتها في البلدان المتقدمة حصراً.. نرى قوة عسكرية إقليمية كبرى يعتز بها المواطنون والعرب والمسلمون، ويهابها الحاقدون، وخاصة بعد أن كبحت هذه القوة عدوانهم على أمننا الوطني وقائيًّا.. نرى شبكة علاقات دولية متينة وواسعة فهي تشمل كل أقطار الأرض ما عدا دولتين شاذتين عن بنية الدولة الحديثة، لأنهما تقومان على أساس الدين بمعناه السلبي الذي يبث الكراهية ويناوئ قيم العصر. وهي علاقات ترتكز على الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي لخير الطرفين.. نرى موقعاً رياديًّا على الصعيد الدولي تبوأناه عن جدارة، لأننا أكثر دولة في العالم بادرت إلى تعزيز ثقافة الحوار وترسيخ السلام والتلاقح الحضاري بين الأمم. نرى- باختصار-معادلة تتركب من طرفين تنطق بلسان الحال فتقول: لولا 1932 ما كان 2018 بهذا الإبهار.. ولو لم يكن 2018 على هذه الحال لكانت 1932 ذكرى وقوف على أطلال مشروع لم يكمل مسيرته.. وهذا غير صحيح بإجماع المنصفين. فالواقع الذي يعيشه الجميع يشهد بأن التأسيس كان سليماً رغم شح الإمكانات وقسوة الظروف واضطراب المحيط القريب والبعيد. صحيح أن من قاد ملحمة توحيد المملكة رجل فذ، لكنه ما كان لينجح مهما كان عبقريًّا لو أنه صنع المجد لنفسه فقط على طريقة الإمبراطوريات البائدة.. لقد صنع تحوُّلاً جذريًّا شعر فيه كل مواطن بأنه شريك في الحاضر والمستقبل. ويجب أن نتنبه إلى أن هذه البلاد في سنة 1932 لم تكن تعرف السيارة ولا الهاتف.. وكان العالم كله يغلي بالقلاقل بين الحربين العالميتين.. لقد دخل مشروعه في وجدان الناس على اختلاف قبائلهم وميولهم واهتماماتهم. وهنا يكمن السر الأعظم وراء نجاحنا في ما فشل فيه الآخرون. لم يكن توحيد المملكة مكسباً لفئة وغرماً لأخرى، ولم يكن مصلحة لمنطقة على حساب غيرها.. فالتلاحم المذهل بين ولاة الأمر والشعب هو الصخرة الراسية التي تحمي الوطن وتعزز أمجاده ويزهو بها المواطن ويزداد أمناً وعزةً ورخاء.
مشاركة :