المدينة المنورة، جدة، مكة – محمد قاسم، رانية الوجيه، احمد الأحمدي في بلد النبي القائل: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، تعد مكافحة الأمية وباءً معرفيًا شارفت المملكة على التخلص من أدرانه، محققة بذلك طفرة معرفية يشهد لها القاصي والداني، بعد سنوات من العمل الدؤوب الذي لم يعرف اليأس طريقًا إليه، إذ ليس ثمة أولوية يمكنها أن تزاحم هذه الأولوية في خطط أي حكومة رشيدة؛ فالمواطن المتعلم المستنير هو لبنة أي تقدم، وكما يعلمنا الواقع ويقر بذلك التاريخ: إن العنصر البشري منه تبدأ التنمية وإليه تنتهي، وأي تنمية لا تأخذ هذا العامل في حسبانها، لا تعدو أن تكون مجرد إجراءات شكلية لا تلبث أن تذهب جفاءً، ولقد كانت رؤية 2030 سباقة في أنها فطنت لهذا الأمر، وشمرت له عن ساعديها، وهاهو ذا ولي العهد الأمين، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بتوجيه واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظهما الله – في رؤيته 2030 الطموحة، يعد شعبه الكريم بطي صفحة الأمية إلى الأبد، لتبدأ المملكة في عصر جديد، عصر تصبح فيه قوة دولية ليس بمواردها الاقتصادية الجبارة فقط، بل وبكوادرها البشرية أيضًا. إذ تعد المملكة مِن أوائل الدول التي طورت مفهوم محو الأمية، خلال العقود الخمسة الماضية، ونقلت مفهومها من مفهوم محصور في المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب إلى مفهوم أوسع يشتمل على اكتساب المهارات القرائية العملية ووضع أسس للتعلم مدى الحياة. نهاية الأمية: وقالت شوق فهد البلوي، القانونية والعاملة بمجال المحاماة،:” المملكة حققت إنجازات وقفزات هائلة في تعليم الكبار ومحو الأمية، وتجاوزتها إلى مفاهيم الاستدامة، والتعليم مدى الحياة، بل وتشمل رؤية المملكة القضاء على أمية العالم العربي بنهاية العام 2024م . وتسعى جاهدة لتيسير ذلك وتسهيل سبله دون إغفال أهمية مواكبة التطور الكمي والتطور النوعي لمستوى التعليم المقدم”. وأكدت “شوق” أن تلك الجهود المبذولة والاجتهادات المستمرة قد حققت نتائج مذهلة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار خلال السنوات الماضية، “وذلك من خلال تلك الإمكانات الهائلة التي وفرتها حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين. حوافز التعلم: وشددت على أن الحوافز التي تقدمها الدولة للدارسين من مجانية التعليم، ومجانية الكتب، بل وصرف مكافأة لنهاية المرحلة الابتدائية، جميعها وغيرها دفع العدد الكبير من هؤلاء ينخرطون في سلك التعليم بحرص ورغبة شديدة كان لها الأثر الكبير في تكليل محاولة القضاء على أميتهم بالنجاح.وأردفت قائلة: “إن الاحتفاء باليوم العالمي لمحو الأمية يؤكد على رفع مستوى الوعي للحد من انتشار الأمية في المجتمع وتوضيح الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلتها الدولة”. واستطردت عضو لجنة المجتمع القانوني بالمدينة المنورة أنه ونتيجة لتلك الجهود الصادقة والمخلصة فقد انخفضت نسبة الأمية بشكل كبير جدًا في المملكة، فبعد أن كانت في عام 1392 هـ تزيد عن 60 في المائة، نجد أنها انخفضت عام 1439 لتصبح 5.2%، وهكذا أصبحت المملكة أنموذجًا يُحتذى به في هذا المجال، وحازت على خمس جوائز دولية في مجال محو الأمية تقديرًا لتلك النجاحات. وتسعى المملكة في التحول الوطني 2020 بخفض نسبة الأمية لتصل 0% لمحو الأمية. واستعرضت “شوق” التنظيمات والتشريعات التي تؤكد أهمية مبادرة محو الأمية، باعتبارها حقًا من حقوق المواطن وواجبًا التزمت به الدولة، فجاء على إثر ذلك نظام محو الأمية، وتعليم الكبار ووثيقة سياسة التعليم والنظام الأساسي للحكم وغيرها من التشريعات، إضافة إلى الالتزامات والإعلانات الدولية، التي تؤكد دورها في بناء الإنسان القادر على تلبية حاجاته وحاجات وطنه كما نوهت إلى نظام تعليم الكبار ومحو الأمية الذي صدر فى عام 1392هـ والذي رسم السياسة العامة للتعليم ومحو الأمية، والأهداف المرجوة منه، وواجبات الدولة والقطاع الخاص، وشكلت له لجنة عليا يرأسها وزير المعارف (آنذاك) وصدر لهذا النظام لائحة راعت التطور الذي يشهده العالم والتوجه نحو تعليم الكبار والتعليم المستمر. وقد جعلت تلك التشريعات محو الأمية واجبًا وطنيًا، كما نصت المادة الثالثة عشرة في نظام محو الأمية على “العمل من أجل محو الأمية بين المواطنين واجب على كل مواطن حسب قدراته ، وعلى الأميين واجب التخلص من من الأمية في حدود الوسائل المتاحة”. طفرة تعليمية: وقال الدكتور حميد بن محمد الأحمدي، الباحث التربوي، إن الأمية كانت متفشية في الجزيرة العربية إبان نشأة المملكة، وقد أخذت الدولة على عاتقها منذ تأسيسها القضاء عليها وذلك بإنشاء المدارس الصباحية عام ١٣٤٤هـ ، كما تمّ افتتاح مدارس مسائية لمحو الأميّة، وتعليم الكبار. ويذكر الأحمدي أن الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – قال عندما كان وزيرًا للمعارف عام١٣٧٣هـ: “يجب أن يدخل العلم كل بيت في هذه البلاد، وأن يستضيء المواطنون في حقولهم وأماكن عملهم بنور المعرفة”. واستطرد الأحمدي قائلًا: “رغم اتساع رقعة المملكة العربية السعودية وتنوّع تضاريسها، وتباعد المدن والقرى فيها، إلا أنّ هناك جهودًا كبيرة بذلتها الدولة ممثّلةً في وزارة التعليم، للقضاء على الأميّة، حيث وصلت نسبة الأميّة في المملكة العربية السعودية في عصرنا الحاضر قرابة 5.2%”. ويضيف “الأحمدي” قائلًا: “ونتطلّع في هذا العهد الزاهر، عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود – حفظهما الله – أن يتم القضاء على الأمية تمامًا، وفقًا رؤية المملكة العربية السعودية٢٠٣٠”. وأشار الأحمدي في نهاية حديثه إلى احتفال المملكة عام 1444هـ – أي بعد قرابة أربع سنوات من الآن – بمرور مئة عام على تأسيس وزارة التعليم، وخُلو المملكة العربية السعودية من الأميّة. الفائدة النفسية: وفي هذا السياق، تقول سوزان سنبل، الأخصائية النفسية، “إن محو الأمية ضرورة، وذلك على اعتبار أن تقدير الذات والاحترام والمكانة الاجتماعية حاجه نفسية ضرورية وبالذات لدى كبار السن”. وتشير أخصائية الإرشاد النفسي إلى أن محو الأمية مازال مطلبًا أساسيًا في أي مجتمع، فمن الطبيعي حين يمتلك الإنسان مخزونًا ثقافيًا ومعرفيًا في نواحي الحياة المحيطة به، مع قدرته على القراءة والكتابة، أن يرفع ذلك من ثقته في نفسه وأدائه في عمله وفي تعامله مع الأفراد المحيطين به، مما يجلب التقدير والاحترام لدى هذه الفئة. وتستخلص من ذلك نتيجة مفادها أن “مراكز أو معاهد محو الأمية أصبحت مطلباً واحتياجاً نفسيأً في المقام الاول”. الفائدة الاجتماعية : وتوضح حنان الشهري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز، ثمار محو الأمية على المستوى المجتمعي، إذ تقول: ” إنّ محو الأمية يعد من أهمّ العناصر والمتطلّبات لتنمية المجتمع وتطوّره، وهو من الحقوق الأساسية للأفراد بكلّ فئاتهم العمرية، وأساس عملية التعلّم طوال الحياة ويساعد بشكل كبير على تنمية المجتمع، ويشكّل أداةً فعالة في تحسين الحياة من جميع النواحي الاجتماعية والصحيّة والاقتصاديّة، وزيادة الدخل”. وزارة التعليم: كما قال مهدي بن محمد الحارثي، مدير عام التعليم بمنطقة مكة المكرمة، في حديثه لـ(البلاد) إن إدارته تسعى جاهدة وبتوجيهات من وزير التربية والتعليم، الدكتور احمد بن محمد العيسى، والمسؤولين في الوزارة، للقضاء على الأمية في المنطقة من خلال تفعيل برنامجي محو الأمية ومجتمع بلا أمية، “هذان البرنامجان أسهما بشكل كبير ومباشر في التخلص من الأمية، وعدم الارتداد لها مرة ثانية”. وأردف “الحارثي قائلا :” الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة، ممثلة في شؤون تعليم البنين، “لها دور بارز في مساندة ودعم ادارة تعليم الكبار بالإدارة، من خلال افتتاح العديد من مدارس تعليم الكبار في المنطقة للمرحلة الابتدائية وتنفيذ برنامج مجتمع بلا أمية”. وأشار “الحارثي” إلى أن عدد مراكز مدارس محو الأمية للبنين بمكة المكرمة بلغ ثلاثين مركزًا يدرس بها أكثر من 1053 دارسًا، في حين يبلغ عدد الدارسين في برنامج مجتمع بلا أمية أكثر من 450 دارسًا، مضيفًا بقوله: “ولا تزال الإداره العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة تواصل جهودها للقضاء على الأمية في المنطقة قضاءًا نهائيًا بمشئية الله تعالى ثم بدعم المسؤولين في الوزارة وعلى رأسهم معالي وزير التعليم الذي يولي هذا الموضوع جل عنايته واهتمامه”.
مشاركة :