للتهرب الضريبي فنون وأدوات، فليس بالضرورة أن تخفي أموالاً في حسابات مصرفية سرية في سويسرا كيّ تهرب من الضرائب، بإمكانك أن تخفي عنوان سكن وهمي في ملاذ الضرائب لتصل إلى النتيجة ذاتها، لكن الهيئات الضريبية ليست خاملة ولا مغمضة العينين، فهي الأخرى لها أدواتها. وهكذا قررت فرنسا مضاعفة جهودها في حربها ضد المقيمين الفرنسيين غير الحقيقيين في سويسرا، أي أولئك الذين يملكون عنوان سكن ثانوي في سويسرا، سواء كانوا يعملون فيها أم لا، ويعيشون في الواقع على مدار السنة تقريباً في المدن والبلدات الفرنسية القريبة من الحدود مثل مقاطعة "هوت ـ سافوا" (سافوا العليا)، أو "آين"، أو "إيفيان"، وغيرها، وهذا السلوك يُحرم البلديات الفرنسية المعنية من إيرادات ضريبية كبيرة. وابتداءً من العام الحالي، ستبدأ الهيئات الضريبية الفرنسية نشاطات عميقة لمطاردة هؤلاء المتهربين من الضرائب الذين يلعبون على الحبلين، فهم من جهة يستفيدون من الأجور العالية التي يتقاضونها من سويسرا، وكذلك من تدني مستوى الغلاء في الجانب الفرنسي. فقد أعلنت محافظة بلدة "أنماس" الفرنسية المتصلة بجنيف، التي يمكن اعتبارها بمنزلة حيّ من أحياء مدينة جان جاك روسو، أنها تعول كثيراً على مساعدة السلطات الرسمية في جنيف للقيام بمهمة رصد وكشف هؤلاء الفرنسيين المتهربين من الضرائب بامتلاكهم مقر سكن وهميا لكنهم يقضون أغلب معيشتهم في فرنسا، وقد أكدت حكومة جنيف لـ "الاقتصادية" هذا الخبر. وتهدف السلطات الفرنسية من طلب المساعدة من جنيف، التثبت من صحة المعلومات المقدمة، لتحديد الذين لم يعلنوا بياناتهم الضريبية بشكل صحيح، ومن جهة جنيف، أكدت السلطات الرسمية أنه لن يكون هناك نقل لأي شكل من أشكال البيانات بين سلطات الضرائب في البلدين، لأسباب تتعلق بالسرية الضريبية. في المقابل، فإن جنيف على استعداد لمعالجة البيانات المقدمة من البلديات الفرنسية المتعلقة بالأفراد الذين سبق أن أعلنوا زورا أنهم يقيمون على الأراضي السويسرية، وقال، غيوم بارازون المتحدث باسم حكومة جنيف لـ"الاقتصادية" إن مكتب السكان والهجرة هو الذي سيتولى دراسة الطلبات الفرنسية وفقا للقانون السويسري. وأضاف أن جنيف ستستفسر عن الوسائل التي استخدمها الفرنسيون للحصول على معلومات عن المشتبه بهم من المحتالين على الضرائب. وترى مقاطعة جنيف أن الجهود التي تبذلها فرنسا ضد السكان الثانويين الوهميين إنما هي مشروعة، وتقع في إطار المعاملة بالمثل لجميع مواطني البلدين. وعن الطرق التي يمكن أن تساعد على العثور على المحتالين، قال بارازون، هناك عدة طرق متوافرة للجانب السويسري كما الفرنسي، من بينها على سبيل المثال مراقبة حجم استهلاك الكهرباء أو الغاز أو المياه لإثبات أي منزل من المنزلين هو مقر الإقامة الرئيسي، وكذلك التحقق من المدارس إذا كان هناك أطفال في مكان الإقامة الكاذب مسجلين في المدرسة، ولوحات السيارات يُمكن أيضا أن تعطي إشارة مهمة للتحقيق. وأشار أنطونيو ماير رئيس رابطة "جنيفيون بلا حدود" إلى أن السويسريين الذين يعملون في سويسرا ويقيمون على مدار العام في فرنسا للاستفادة من رخص تكاليف المعيشة هناك غالباً ما يمتنعون عن الإعلان عن إقامتهم في بلاد موليير لسببين رئيسيين، فمن ناحية الخشية من عدم التمكن من إدخال أبنائهم في المدارس السويسرية، ومن ناحية أخرى أنه في حالة البطالة فإنهم سيتلقون تعويضاً في فرنسا أقل بكثير منه في سويسرا. وفرضت الخشية من فقدان المزايا العالية لنظام التأمين الصحي في سويسرا، وبالتالي العلاج في المستشفيات السويسرية، هي الأخرى وزنها في الميزان، حيث يتوجب على السويسري الاختيار بأن يعلن عن نفسه كمقيم في فرنسا على مدار السنة، وهناك أيضاً أسباب ضريبية تدفع السويسري نحو عدم الإعلان عن إقامته. ولم يتم حصر عدد المقيمين الوهميين السويسريين في فرنسا، ولا نظرائهم الفرنسيين في سويسرا بوضوح حتى الآن، إلا أن تقديرات السلطات الرسمية في جنيف تضع السويسريين المقيمين في فرنسا بين 20 و30 ألف شخص، أغلبهم في بلدات هوت- سافوا، آين، سان ـ جوليان ـ أون ـ جينفوا، المحاذية للحدود مع سويسرا.
مشاركة :