محسن بلعباس: انتخابات الرئاسة الجزائرية "مسرحية" قد لا يكون بوتفليقة بطلها

  • 9/29/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فشلت الجزائر في أن تتحول إلى بلد حر ديمقراطي مزدهر على النحو الذي يفترض أن توفره دولة الاستقلال، وسبب ذلك يعود بالأساس إلى المشهد السياسي الذي سيطر على البلاد منذ استقلالها إلى اليوم دون أن تواكب المتغيرات على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية. ورغم أن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية، العام القادم، إلا أنه لا تلوح في الأفق أي بوادر تغيير رغم السحب الداكنة التي تخيم على المشهد، ويظل الفشل مصيرَ المشاريع المطروحة من طرف عدة قوى سياسية، بسبب تعنت السلطة والاستقواء بالأذرع الموالية. القاهرة - يرزح المشهد السياسي في الجزائر تحت سطوة نخبة، بدأت تتقلص، من قيادات جبهة التحرير الوطني التي يغلب عليها كبار السن وقادة الجيش المتحالفون معها ويشاركون منذ مدة طويلة في إدارة الحياة السياسية في البلاد. ولم تشهد الجزائر جدلا حول الانتخابات الرئاسية كما هو الحال اليوم، ويشير محسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري المعارض إلى أن الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل القادم ستكون “مسرحية” في ظل عدم وجود ضمانات لانتخابات نزيهة، واعتبر أن الإقالات التي شهدتها المؤسسة العسكرية مؤخرا اعتيادية “ولكن جرى توظيفها لتخويف العسكريين والمدنيين”. إلى سنوات قليلة، لم يكن الوضع محل جدل كبير في الجزائر، حيث تعتبر جبهة التحرير الوطني “مقدّسا”، في الوعي الجمعي الجزائري. لكن اليوم باتت صورة الجبهة وحرب الاستقلال تفقد الكثير من هالتها وبدت تاريخا أضحى بعيدا عن أزمات البلاد الراهنة بل تستمد بعض عللها من فترة حرب الاستقلال. جزء من هذه التغييرات يرجع إلى أن الطبقة الحاكمة في الجزائر لا تعي حقيقة أنها طبقة عتيقة تتحكّم في بلد أكثر من نصفه شباب، بل تصر على الحفاظ على نفس تفاصيل المشهد بدفعها نحو ترسيخ ولاية رئاسية خامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المريض الذي لا يقدر حتى على حضور أهم المناسبات الرسمية. وتوقع بلعباس، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن يتم الدفع بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 81 عاما، لتولي عهدة رئاسية خامسة “ولكن إذا حدث طارئ يزيد من صعوبة الوضع الحرج للرئيس، فإن العُصَب المتحكمة في النظام ستضطر إلى تعيين واجهة بدرجة رئيس دولة، بحيث يضمن لهم استمرار السيطرة على البلاد”. عهد الانقلابات ولى يواجه الجزائريون صعوبة قدرة رئيسهم، الذي حكم الجزائر قرابة عقدين من الزمان، وأصيب بجلطة في عام 2013، على القيام بهذه المهمة، لكنهم يدركون أن كل الجهود الممكنة تبذل لضمان ألا يتغير شيء يذكر إذا حدث أي طارئ. وهنا يعلق بلعباس ساخرا “بالطبع سنرى فصول مسرحية مكتملة في أبريل المقبل، وسيتم الدفع بمرشحين غير جادين أمام مرشح أجنحة النظام سواء كان بوتفليقة أو غيره لإكمال المشهد أمام الرأي العام الدولي”، مستبعدا كل ما يتردد عن احتمال الدفع بنائب وزير الدفاع الوطني قايد صالح، أو رئيس الوزراء أحمد أويحيى، أو حتى السعيد شقيق بوتفليقة. وتوقع في المقابل أن “يتم الدفع بشخصية غير متوقعة إعلاميا وشعبيا وبعيدة كل البعد عن تلك الأسماء”، وقال “النظام الجزائري عودنا منذ فترات طويلة (على) أن يخرج علينا بأسماء لم تكن متوقعة… فمن كان يتوقع أن يكون الشاذلي بن جديد خليفة هواري بومدين أو أن يكون بوتفليقة خليفة اليامين زروال”. واستبعد ما يتردد من أن الإقالات العسكرية الأخيرة جاءت كرد فعل على محاولة بعض القيادات الانقلاب على بوتفليقة وعهدته الخامسة أو لضبط الإيقاع بتلك المؤسسات تمهيدا لهذه العهدة، وقال “لا أظن أنه كانت هناك محاولة للانقلاب على بوتفليقة، فعهد الانقلابات ولى ولم يعد له مكان اليوم… وكل من تمت إقالتهم بالأساس من الموالين لبوتفليقة ومن المساندين للعهدة الخامسة”. فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تتحمل جزءا من مسؤولية إطالة عمر النظام عبر بيانات الاعتراف بنزاهة أغلب الاستحقاقات التي جرت في السنوات الماضية رغم الوعي الكامل بأن هذه ليست الحقيقة واستطرد مشيرا إلى أن “معظم القيادات المقالة كانت بسن التقاعد فعليا وظلت في مناصبها لفترة طويلة… القضية ليست في الإقالات وإنما في توقيتها، إذ كان بإمكان النظام تأجيلها عدة أشهر لما بعد الانتخابات ولكنه فضل استغلالها للتخويف: هذه الإقالات كانت رسائل تحذيرية لكل من العسكريين والمدنيين، فالنظام لا يريد أن يخرج من الجيش من يعلن أن الجيش سيكون حياديا في المعركة الانتخابية… كما يريد ترهيب المدنيين حتى لا يفكروا في تنظيم أي فعاليات مناهضة للعهدة الخامسة”. ترتفع على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف أصوات جزائرية تدعو إلى التغيير وإلى فتح الفضاء السياسي المغلق لطاقات جديدة ومسؤولين شبان و”نظيفين”، فيما بدأت “الماكينة السياسية” للنظام الجزائري تشتغل بغية أن يتم انتخاب بوتفليقة في أبريل 2019. ويرى بلعباس أن الخطر الأكبر الذي يواجه البلاد “هو انعدام الأمل في حدوث أي تغيير بالمستقبل”. ولفت إلى أنه في ظل حالة اليقين العام من أن النظام سينهي الانتخابات لصالح مرشحه “يزداد احتمال إحجام الشخصيات الوطنية الجادة والتي تحظى بالشعبية والخبرة السياسية عن التقدم للرئاسيات… ولا أحد يستطيع لوم تلك الشخصيات على حرصها على عدم المجازفة بتاريخها وسيرتها بالدخول في مغامرة محسومة في ظل تسخير النظام لكل إمكانيات الدولة الإعلامية والمادية والبشرية لصالح مرشحه خلال مراحل العملية الانتخابية انتهاء بتزوير النتائج”. إلا أنه أشار إلى وجود “معارضة جديدة تستطيع أن تقدم رؤى وحلولا قد تكون مفيدة إزاء ما تواجهه البلاد من تحديات وأزمات ولكنها لا تجد طريقا لتنفيذها بسبب تعنت النظام”، وشدد على أن حزبه حريص على التعامل مع كافة الأحزاب من أجل خلق مشهد جديد. العلاقة مع فرنسا Thumbnail أكد بلعباس أن حزبه لا يتفق مع “دعوات المرشح التوافقي أو وجود الجيش كمرافق للعملية الديمقراطية خلال مرحلة انتقالية كما يدعو البعض”. وقال إنه “يركز جهوده على طرح رؤى سياسية واقتصادية تستهدف تحقيق غد أفضل للبلاد حتى ولو تأجل تنفيذها على أرض الواقع”. واتهم بلعباس النظام باستغلال كل من يقع بين يديه في الفترة الحالية لخدمة خياراته في الانتخابات القادمة “كالعمل على تضخيم بعض المواقف المتشابكة مع فرنسا كقضية الحركيين (أي من ساند من الجزائريين سلطات الاستعمار الفرنسية في الجزائر) والمحاكمة على جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر وغيرهما، وتصوير الأمر وكأن هناك حربا باردة بين الجانبين”. وقال “تعودنا على توتر العلاقات بين الجانبين من فترة لأخرى، ولكنها عادة ما تكون توترات عابرة لا تستمر طويلا… خاصة وأن أسبابها لا تكون جديدة وإنما تكون قضايا قديمة”. وأضاف “في المراحل الحاسمة يلجأ النظام إلى الحشد حول القضايا الوطنية ليظهر بمظهر كبار المدافعين عن السيادة الوطنية… بالطبع قضية المحاسبة على الجرائم قضية وطنية مهمة ولن تسقط بالتقادم… ولكننا نقول في الوقت نفسه إن الأهم في عالم اليوم هو بناء الشراكات الاقتصادية وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمر بها”. وحول صمت السلطات الجزائرية عن تصريحات السفير الفرنسي السابق بالجزائر برنار باجولي حول عجز الرئيس وأنه لا يزال على قيد الحياة بشكل مصطنع، رأى أن “عدم الرد الرسمي جاء في إطار عدم الرغبة في إحداث المزيد من الضجة حول الأوضاع الصحية لبوتفليقة خاصة وأن التصريحات صادرة عن مسؤول متقاعد لا يمثل السلطات الفرنسية… كما أن باجولي لم يقل شيئا لا يعرفه الشارع عن وضع بوتفليقة فكلنا نعرف أنه عاجز حتى عن الحديث”. وشدد بلعباس “بالطبع هناك كثيرون في الجزائر غاضبون على فرنسا، ليس بسبب تلك التصريحات، ولكن لأنهم يرون أن فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تتحمل جزءا ليس قليلا من المسؤولية عن إطالة عمر النظام عبر بيانات الاعتراف بنزاهة أغلب الاستحقاقات التي جرت في السنوات الماضية رغم الوعي الكامل بأن هذه ليست الحقيقة”. وأضاف “الفرنسيون والأوروبيون يتعاملون مع أي نظام قادر على تسيير الأمور… وعموما فإنهم يقدرون الجيش الجزائري وخبرته في محاربة الإرهاب فضلا عن قدرته على ضبط الحدود مع كل من مالي وليبيا ودول أخرى قد تعد مصدرا لتهديد سلامتهم وأمنهم القومي سواء كان الأمر متعلقا بمكافحة الإرهاب أو يتعلق بجرائم الهجرة غير الشرعية والمخدرات، وهذا كاف بالنسبة لهم”.

مشاركة :