حينما دُفن رجل عجوز في الـ85 من عمره يُدعى جان في قبر مؤجر، لم يكن يعرف المشاركون في جنازته المتواضعة أنهم يُهيلون التراب على أحد أعظم علماء الطبيعة والنشوء البروفيسور الفرنسي جان بابتيست لامارك صاحب أول نظرية لتطور الكائنات الحية في مطلع القرن التاسع عشر. يُعتبر العالم الفرنسي الشهير جان بابتيست لامارك أول من قال إن الإنسان قد تطور من أنواع أدنى، وأحد المؤسسين الرئيسين لعلم دراسة الحياة «البيولوجيا»، وهو مؤلف الكتاب الشهير «فلسفة علم الحيوان» الذي صدر في العام 1802 والذي ضمنه نظريته المثيرة حول تطور الكائنات الحية. ولد جان بابتيست لامارك في مدينة بازنتان بشمال فرنسا في العام 1744 وكان أصغر أحد عشر طفلاً لأسرة انتسب أغلبها للجيش الفرنسي بمن فيهم أبوه. في البداية، أقنعه والده بالعمل في الكنيسة فالتحق بالكلية اليسوعية في أواخر خمسينات القرن الثامن عشر، ولكنه بمجرد أن تُوفي والده في العام 1760 انضم إلى الجيش الفرنسي للقتال في ألمانيا، وقد أظهر شجاعة فائقة في أول معركة خاضها فتمت ترقيته لرتبة ضابط. أصيب في إحدى المعارك وهو في الـ25 من عمره فترك الجيش وعمل لفترة في أحد مصارف باريس، ولكنه أخيراً قرر أن يتخصص في الطب وعلم النبات والحيوان وهي المجالات التي كان يعشقها في صغره، وسرعان ما اكتسب خبرة في ذلك. في العام 1778 نشر كتاباً عن نباتات فرنسا نال شهرة واسعة. تزوج لامارك ثلاث مرات ورزق بثمانية أطفال، وأصيب بالعمى الكامل قبل أن يُنهي كتاباته في علم الحيوان، ولكن ابنته ساعدته على نشر أعماله وآرائه. أهم ما يميز لامارك هو أطروحاته ونظرياته حول التطور والنشوء، سواء للإنسان أو الحيوان، إضافة إلى وضعه قانون توريث الصفات المكتسبة والتي قد تتحسن مع الاستعمال أو قد تختفي نتيجة الإهمال. ويُعتبر لامارك أول من استخدم مصطلح اللافقاريات لوصف الحيوانات التي لا تحوي عموداً فقرياً، كما نشر العديد من الكتب والدراسات والأبحاث المتعلقة بعلوم النبات والحيوان والطبيعة، منها كتاب «نظام الحيوانات اللافقاريات» في العام 1801، وكتاب «أبحاث في تنظيم أنواع الكائنات الحية» في العام 1809. تُوفي جان بابتيست لامارك في العام 1829 في باريس عن 85 عاماً، ورغم جنازته المتواضعة التي شارك فيها عدة أشخاص فقط، إلا أن أعماله ونظرياته وأفكاره الرائدة والخالدة مازالت تُمثل القاعدة الرئيسة للكثير من التطورات والتحولات العلمية الخاصة بتطور الكائنات الحية ومدى تطابق وتباعد الصفات الوراثية المكتسبة بين الأجيال المتعاقبة. يقول جان بابتيست لامارك:»لا يكفي أن تكتشف بعض الحقائق، ولكن من الضروري أن تجعلها في متناول الآخرين».