يوم بعد يوم تتضح حقيقة تنظيم داعش، استناداً إلى القياس العلمي الذي وضعه أساتذة الاستراتيجيات بأن النتائج تحدد الهوية، والمعنى أن الذي يستفيد من النتائج التي تتحقق على الأرض تكشف هوية من سعى إلى تحقيق تلك النتائج. والآن وبعد كل ما جرى في العراق وبالذات بعد ما قام به تنظيم داعش يتبين بوضوح من المستفيد من أفعال داعش، ومع أن شرح هذا الأمر المتلبس يحتاج إلى توضيح دقيق إلا أنه ليس من الضروري أن يكون منفذ مخطط عمليات داعش متوافقاً مع ما هدف إليه واضعو المخطط، إذ إن الاندفاع والحماس الطائفي يدفع كثيراً من المتورطين والذين لا يؤمنون إلا بالعنف والعمل العسكري إلى التورط في تنفيذ مخططات تخدم أطرافاً قد لا تلتقي معهم في الانتماء الفكري والأيدلوجي، إلا أن التوافق في فرض فكر معين ومعاداة معسكر محدد يجعل من تقاطع المصالح عملاً وقتياً يعتقد الطرف المستهدف أنه قادر على الانفكاك بعد تحقيق المصالح، هكذا أراد قادة داعش تجاوز الخلاف الأيدلوجي مع أعدائهم الطائفيين في مواجهة عدو أيدلوجي فيما وجد الطرف الآخر جماعة تسيطر عليها الأحقاد الأيدلوجية تتسم أعمالها بالاندفاع والذهاب بعيداً بصفات الغلو والتشدد، وهذا ما يخدم مخططاتها المستقبلية التي لا تستهدف فقط تشويه صورة المكون الآخر، بل أيضاً في تقليص مساحات نفوذه وتواجده. وهكذا وبغباء واندفاع ولدته حالات القمع والانتقام ابتلع تنظيم داعش الطعم، إذ وظف الطرف الآخر كل التناقضات الموجودة في المحافظات المستهدفة لتسهيل اختراق تنظيم داعش واستيلائهم على الموصل والسيطرة تماماً على محافظة نينوى وجعلها قاعدة لتنظيم داعش الذي فرد أجنحته العسكرية في محافظات الرقة والبوكمال ودير الزور والتمدد في المحافظات العراقية الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وحزام بغداد، وهذا ما كان يريده الطرف الآخر، إذ أتاح هجوم وسيطرة تنظيم داعش على المحافظات العراقية الغربية الشمالية والمحافظات السورية الشرقية وتهديد اقليم كردستان بعد اقتراب عناصر التنظيم القتالية من محافظة أربيل وتهديد عدد من أقضيته ومدنه حدثت العديد من المتغيرات التي ستغير كثيراً من الأوضاع في العراق، بما فيها ديمغرافية العراق ومناطق تواجد ونفوذ المكونات العرقية والمذهبية، كما ستعزز نفوذ القوى الاقليمية المجاورة للعراق، وكل هذا سيتم على حساب الوجود العربي، فقد لاحظ المتابعون لما يجري في العراق وبالذات بعد ظهور تنظيم داعش ما يلي: 1- عودة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تزيد من قواتها العسكرية فترة بعد أخرى. 2- تشريع المليشيات الطائفية الشيعية تحت مسمى الحشد الشعبي والتي تحظى بالدعم المالي والعسكري وتزويدها بالسلاح على حساب العناصر العربية، سواء أبناء العشائر أو أبناء المحافظات التي استهدفها تنظيم داعش. 3- التلكؤ والتردد في تكوين تنظيمات عسكرية للعرب السنة من أبناء العشائر، وقد لا ترى هذه التنظيمات النور على عكس سرعة تشكيل تنظيمات الحشد الشعبي. 4- غض النظر عن تواجد الخبراء وضباط وقوات الحرس الثوري الايراني في أكثر من مدينة عراقية بحجة محاربة داعش. كل هذه المتغيرات فرضت تحولات وأعمالاً ستكون فحوى مقالة الغد.
مشاركة :