إن المتصفح لواقع أدب الطفل في البحرين سردا وشعرا ومسرحاً، يجده متسما بالضعف في نواح عديدة تتصل أهمها بغياب استراتيجية دعم واضحة لهذا المجال تؤهله لتصدر المشهد الأدبي والثقافي البحريني، غير أن هذا النوع الأدبي مازال يسلك طريقه في الساحة الأدبية رغم ما يواجه من تهميش وعراقيل وقد أولت البحرين نصيبا وافرا من الأهمية لأدب الطفل مقارنة بالدول الخليجية، إذ شهدت الساحة الأدبية البحرينية في أواخر السبعينيات ظهور كتابات خاصة بعالم الطفولة في مجالات السرد، والمسرح، والغناء، والتشكيل. وقد جسدت فترة الثمانينيات المرحلة الذهبية التي توهج فيها هذا الأدب بحرينيا. ومن أبرز رواد كتاب الطفولة البحرينيين عبد القادر عقيل الذي أصدر أول قصة للأطفال بعنوان «من سرق قلم ندى؟» (عام 1977)، وحمد خميس صاحب ديوان «اعتذار للطفولة» (عام 1978)، وعلي الشرقاوي الذي نشر الكثير من الدواوين الشعرية للطفل البحريني منها ديواني «أغاني العصافير» (1983)، و«الأمنيات» (2002)، وإبراهيم سند صاحب المجموعة القصصية «الكلمة السحرية»، فضلا عن إبراهيم بشمي صاحب سلسلة الحكايات الشعبية «كان يا مكان»، وخلف أحمد خلف، ومصطفى السيد، وحمدة خميس، وسعيد محمد، وفريدة خنجي، ويوسف عبد الغفار. وحول تلك الفضاءات التي اهتمت بأدب الطفل سلطنا الضوء على بعض من شغلهم ولا يزال يشغلهم عالم الطفل فكتبوا فيه واهتموا بعوالمه. الكاتب إبراهيم سند أحد رواد أدب الطفل في البحرين الذي يرى أن أدب الطفل في البحرين لايزال قيد التأسيس «إذ إن عمره لا يتجاوز السنوات فقد بدأ في نهاية السبعينيات، وهذه المدة قصيرة لتخرج لنا تقاليد خاصة بإنتاج «أدب الطفل». مشيرا إلى أنه: برغم ذلك نحاول بكل ما نملك من قوة أن نضع اللمسات والقواعد الأساسية لهذا التأسيس، ونعلم أن هناك تحديات كبيرة تواجهننا ككتاب، ومع ذلك نحن قلة متكاتفين متفائلين أحدثنا بصمة ما كانت لتحدث لولا صبر ووقت وتزود بكثير من الدراسات والثقافات أخرى، إذ إن أدب الطفل يعد من الآداب الصعبة و ليست الصعوبة تكمن فقط في الكتابة،إنما في كيفية توصيل هذا الإبداع إلى الجماهير سواء في البحرين أو خارجها، إذن العملية الإبداعية صعبة، ونحن بحاجة لمن يحرك الرماد الساخن الذي تحت الجمر، وهذا الجمر يحتاج لمن يسخنه ويقلبه ليكون أدب الطفل في البحرين متوهجا ومشعاً، وهذا الإشعاع يعتمد على المبادرات». موضحاً سند: رغم وجود مبادرات شخصية تقدم نتاجات أدبية للطفل، إلا أنه من اللافت قلة الإنتاج الأدبي البحريني الموجه إلى الطفل، في ظل عدم وجود مؤسسة رسمية تحتضن هذه المبادرات، وشبه انعدام للتشجيع والدعم المادي والمعنوي لكتّاب الطفل،والمتمثل في الجوائز والمسابقات والمهرجانات وتسويق الإصدارات، ناهيك عن عدم وجود دار نشر بحرينية متخصصة في هذا النوع من الأدب،والظلم الإعلامي في تسليط الضوء عليه في الإعلام والسينما ومعارض الكتب. وترى كاتبة أدب الطفل، ندى الفردان: إن التحديات التي واجهتها أثناء تقديمها كتبها الأدبية مثل «فارس ودروعه العشر»، و«ريشات العنقاء الثلاث»، و«سماعة الحاج صالح»، بالقول «بالنسبة للتحديات التي واجهتها فقد كانت كثيرة، فغياب التشجيع والدعم يجعل كاتب أدب الطفل يشق طريق الكتابة والنشر بمفرده، فلا يوجد هناك من يمول كتب الطفل ولا توجد دور نشر متخصصة في البحرين». موضحة: أن «الرسامين عددهم قليل وغير متخصصين، وإنما ما يرسمونه هو اجتهاد شخصي. كتاب وألوانه ونوعية الورق كلها تؤثر في جودة الكتاب». مضيفة الفردان: أن أكبر تحدٍ وقف بوجهها هو توزيع القصص، وتشجيع المكتبات على الاهتمام بالأدب البحريني «ومع ذلك فالسوق البحرينية صغيرة، لذلك كان حلمي وصول كتاباتي إلى كل الوطن العربي، الحمد الله تخطيت هذه التحديات، وأنا الآن بصدد التعاون مع دار نشر عربية لتوزع الكتب على مستوى الوطن العربي». ومن جهة أخرى: يؤكد الناقد فهد حسين، إن المنتج الإبداعي لعالم الطفل في البحرين بخير «وعلينا كلنا نحن الكتاب والمهتمين بالكتابة الإبداعية والنقدية أن نقف مساندين لهذا العالم الدقيق الصعب في تناول موضوعاته ومناقشتها، حيث لم ينل هذا الحقل المهم حظه الكافي من الدراسات النقدية أو الأكاديمية أو البحثية من قبل المختصين أو النقاد أو الكتاب». مشيرا إلى وجود مجموعة من الكتاب أوكلت لنفسها العمل على تحديد المساحة وإن تباينت بين كاتب وآخر، مساحة يملؤها هذا الكاتب أو ذاك بعطاء إبداعي للطفل البحريني. ومنهم خلف أحمد خلف، وعلي الشرقاوي، وإبراهيم بشمي، وإبراهيم سند، وحمد الشهابي، ويوسف النشابة، ويوسف عبد الغفار، ومصطفى السيد، وميرزا زهير، وصفية البحارنة، وحمد النعيمي، وفريدة خنجي، وسعيد محمد سعيد، وعادل جمعة، وندى الفردان، وأحمد جاسم محمد، وأنسية فخرو، وزكريا خنجي، وجعفر الديري، ومنى جناحي، وجميلة علوي، وغيرهم، «وهذا العدد الذي يصل إلى العشرين أو أكثر ليس قليلًا أو أنه ذو نسبة بسيطة قياسًا بعدد سكان البحرين ومقارنة بالنتاجات التي تصدر في أمكنة أخرى ذات كثافة سكانية عالية». ويوضح «بالطبع إن كل هذا النتاج تباين وتنوع واختلف في بنيته السردية أو الشعرية أو المسرحية وفقًا لما يتمتع ويتصف به الكاتب من إدراك لعام الطفل، وتلك الاتجاهات والمفاهيم والأفكار التي يريد إيصالها لعالم الطفولة، بالإضافة إلى أن تخصص الكاتب أدى دورًا غير مباشر في طبيعة المنجز إن كان يميل إلى الأدبية أو العلمية أو التاريخية أو التراثية، وفي كل الأحوال فإن الطفل في البحرين بحاجة إلى هذا التنوع الذي يسهم في تنمية الذائقة لديه». وتلفت التربوية ومقدمة ورش القراءة التفاعلية للأطفال، فاطمة آل عبد العزيز، إلى أن أدب الطفل في البحرين يحتاج لتوجيه ورعاية. وتوضح «أذهب إلى المدارس، وأقدم ورش تفاعلية مع الأطفال، وطبقت في بعضها نشاطا متعلقا بقصص الكاتبة ندى الفردان كقصتي» فارس والدروع العشرة»، و«سماعة الحاج صالح»، وسط تفاعل كبير من الأطفال، لكني لاحظت من خلال خبرتي أن الطفل البحريني يقرأ نتاجات لدور نشر خارجية من الكويت والأردن وسوريا، فلا يوجد دار نشر بحرينية متخصصة». وتشدد آل عبد العزيز على ضرورة تعزيز أدب الطفل في المدارس بشكل أكبر عبر تخصيص وقت كامل للقراءة من أجل غرس حب الأدب والثقافة والمعرفة في عقل الطفل، دونما الإقتصار على قراءة الكتاب المدرسي، وتخصيص كادر يتم تأهيله فيما يتعلق بكيفية اختيار الكتاب المناسب وتحبيب الطفل في القراءة. مضيفة: يجب تنظيم ورش خاصة بكيفية كتابة القصة، وسنكتشف إثر ذلك الكثير من المؤلفين، فقد سبق لي عمل ورشة في هذا الصدد، فاكتشفت وجود قدرات إبداعية لدى الأطفال فيما يتعلق بالتأليف والفن، ونحن بحاجة للوصول إلى هذه المواهب عبر توفير البيئة المناسبة لها». تكاد تخلو البحرين من مبادرات أهلية تتصدى لدعم أدب الطفل، لكنما برز في الآونة الأخيرة نشاط متميز لمركز أهلي يعنى بتعزيز هذا المجال الأدبي وهو «سرد بيت الطفل الثقافي». وقد قدم العديد من الفعاليات والبرامج الموجهة للأطفال والتي حازت اهتمام مؤسسات وجهات رسمية وأهلية، مثل «حكايا المحطات» للأطفال بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لكتاب الطفل، وقد تضمنت هذه الفعالية جلسات قرائية وكتابية أدبية وحوارية جرت عبر جولة في مواقع متعددة في البحرين، وبرنامج «حكايا الدكاكين»، ناهيك عن ورشة «حياكة» المتعلقة بإنتاج قصة يستوحيها الطفل من فكره وخياله. وقد نظم المركز مسابقة «حياكة حبكة» لكتابة القصة القصيرة للأطفال والكبار المهتمين بالكتابة للطفل، ومسابقة «الكتاب لغة التواصل» ضمن برنامج اقرأ معي. وتشير نبيهة إبراهيم الخياط، مؤسِسَة ومديرة سرد، إلى أن هذا المركز «يهدف عبر فعالياته المختلفة للتواصل بين الطفل والكتاب والتوجيه إلى أهميته، كما يسعى لإتاحة الفرصة للطفل لإبداء الرأي وتطوير مهاراته في هذا الجانب لتجسيد فن ولغة الحوار بين الأطفال، وتطوير مهاراتهم وتدريبهم على التفكير الإبداعي من خلال الكتابة». مؤكدة الخياط أن الطفل يلعب دورا أساسيا وفاعلا كعنصرٍ وشريكٍ أساسي في العمل مع «سرد»، موضحة أنه «تتاح للطفل فرصة المشاركة في إعداد البرامج واكتشاف نفسه وتطوير قدراته من خلالها، كما يعمل سرد على تنمية فكر الطفل بشكل مختلف واعتماد ما ينجزه من أعمال أدبية وفنية لتقديمها للمجتمع، لتمكينه كعضوٍ فاعلٍ ومساهمٍ في تكوين مستقبله الثقافي». ويلجأ أغلب الكتاب البحرينيين لطباعة منتوجاتهم الخاصة بأدب الطفل في دور نشر خارجية في دول الخليج وبلدان كالأردن ولبنان وسوريا وغيرها، نتيجة عدم وجود دار نشر بحرينية متخصصة في طباعة هذا النوع من الأدب. إلا أنه رغم ذلك فقد برزت عدد من المطابع التي تطبع إصدارات متصلة بهذا المجال أهمها مكتبة «كشكول» التابعة لمؤسسة الأيام، ومكتبة «دار الحكمة» للطباعة والنشر. وعن سر ذلك يشير المدير العام لدار كلمات للنشر والتوزيع، فهد العيد، إلى أن دور النشر غالبا ما تتبع القطاع الخاص وتفكّر بالجانب التجاري، لكن بالمقابل ثمة دور نشر كسرت هذه القاعدة وقدمت بعض الأعمال المميزة التي تبحث من خلالها عن الفوز ببعض المسابقات الخاصة بكتب الأطفال «فهنا يبحث الكتاب عن أفضل الدور التي تساعدهم في نشر وتوزيع أكبر لأعمالهم في الوطن العربي كافة، وتحاول كسر العقبات أمام كتابها، وهذا ما تسعى له دور النشر الناجحة والمتألقة، كما أنها تحاول دعم الكاتب في اختيار نوعيّة النتاج الذي يحاكي حاجة الطّفل وخياله ورغباته، والأسلوب المعتمد البعيد عن التّصنّع والتعقيد». ويلفت الكاتب والإعلامي أحمد المؤذن، إلى أن الحضور الضعيف لأدب الطفل في البحرين في وسائل الإعلام المحلية، يعود لأسباب كثيرة منها قلة الاهتمام الرسمي الموجه من قبل هيئة الثقافة، إذ لا توجد لليوم مطبوعة رسمية موجهة للطفل البحريني على غرار مجلة العربي الصغير الصادرة من وزارة الإعلام الكويتية، ناهيك عن تذبذب الحالة المزاجية عند صحافتنا المحلية التي تضع الاهتمام بالطفل في نهاية أولوياتها «فبين وقت وآخر تصدر ملاحق للطفل ولكن لا تستمر ضمن هيكلية الجريدة و سرعان ما تتوقف بلا سابق إنذار!». ويضيف «قدّم تلفزيون البحرين في ثمانينيات القرن الماضي برنامج مجلة العصافير، والذي قدمته الإعلامية بروين حبيب، حسبما أذكر، ومنذ توقف هذا البرنامج، لم تجد الوزارة بديلا،اللهم إلا تلك البرامج الموسمية المقدمة في الأعياد وحسب ، ولا توجد خطة برامجية واضحة المعالم، هناك تشتت من هذه الناحية للأسف». موضحاً المؤذن على أن أدب الطفل في البحرين لا يُــعـطى تلك الأهمية في معارض الكتاب، ويُـترك على الهامش، كما أن الجهات التي يُـفترض بها العناية بأدب الطفل لا تتعدى الفعاليات الرمزية ذات الطابع الاحتفالي مع كل موسم. مشيراً إلى إن كُــتاب أدب الطفل المحليين، لا يحظون بالاهتمام والتقدير، لقاء الجهود المضنية التي يبذلونها في سبيل ترسيخ هذا الأدب ونشره محليا «فلا توجد تسهيلات أو أي نوع من أنواع الاهتمام، فمملكة البحرين تفتقد لمهرجان أدبي يتوجه للطفل ويناقش معطياته وتحدياته ويكرم رواده». وأخيراً يشير الناقد جعفر حسن: إلى أن إنتاج أدب الطفل في البحرين يحتاج بالإضافة إلى جهود المهتمين من المبدعين في هذا المجال لدعم مؤسسي سواء كان من طرف المؤسسة الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني، «ويبدو أن رصد الجوائز المادية والمعنوية يمكن أن يشجع على مثل هذا الإنتاج، كما أن تخصيص الدراسات الببلوجرافية كما فعلت الأستاذة عائشة المعاودة، ونشر وتشجيع الكتابات النقدية الموجهة لإنتاج أدب الأطفال سيساهم في التعريف بمبدعي قصص الأطفال وتطوير العمل في هذا المجال الإبداعي». وبشأن إنتاج قصص الأطفال في البحرين. يوضح «مسألة إنتاج قصص الأطفال تتطلب رسامين يسهمون في تدعيم النص من الناحية البصرية وهم قلة «وبالرغم من قلتهم إلا أنهم مغفلون من حيث الإشارة إلى جهودهم المهمة ، وكذلك عملية إخراج العمل».
مشاركة :