يتساءل كثير من المتابعين عن الأسباب الحقيقية لغياب أو تغييب أدب الطفل عن المؤسسات الثقافية والتربوية لدينا، وهو ما يتفق معه أدباء يكتبون في هذا الفن ويلحظون تغييبه كما يقولون بشكل لافت. الشاعر حسن الربيح أحد الذين كرّسوا شعره للكتابة في هذا الفن يعتقد أن «التجاهل الذي يعانيه أدب الطفل بدءًا من الأدباء والباحثين وانتهاءً بالمؤسسات الكبرى وأفراد المجتمع، مردُّه النظرة الدونية الغالبة لهذا الأدب وبأنه يكتب لتسلية وإلهاء الطفل، وليس استجابة لظروف العصر». ويشير الربيح إلى أن «الكتابة للطفل حينما ظهرت في بدايات نهضة الأدب الحديث كانت تظهر باستحياء في شكل ديوان أو مجموعة قصصية من دون أن يكتب مؤلفها اسمه على المجموعة، حتى ظهر أحمد شوقي وخصص جزءًا من الشوقيات لقصائد موجهة للأطفال، وبدأ التحرُّج من ذكر الاسم يرتفع شيئا فشيئا»، شاكياً من أن «الكبار أنفسهم لا يتابعون ولا يخصصون وقتًا لقراءة أدب الطفل باعتباره جزءًا من ثقافته ومتعته، لأنهم يعتقدون أنه للطفل فقط». ويؤكد الربيح على أن «أدب الطفل مغيَّب وليس يغيب، فدور النشر العربية تطبع والكتَّاب يمدُّون المكتبة العربية بمختلف القصص والأشعار والمسرحيات إلا أنّ المؤسسات الكبرى في بلادنا لا تواكب هذه الحركة في الإعلام والمناهج الدراسية وليس في أروقة الجامعات والدراسات الأكاديمية فقط». ويتمنى الربيح أن «يرى أعمالاً أدبية في إعلامنا المرئي ممثلةً في شكل حلقات بدلاً من ترجمة أفلام مدبلجة لا تعبِّر في الغالب عن حاجاتنا، وأن نفعِّل مسارحنا المعطلة بأعمال مركونة على رفوف المكتبات، ونخصص أعمالاً درامية منوعة على غرار المناهل». فيما يرى أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك في جامعة الملك خالد الدكتور إبراهيم أبو طالب أنّ «التغييب يعود إلى عوامل عدة كالاعتماد على الأفلام الكرتونية المستوردة الجاهزة وترجماتها المعلَّبة»، مشدداً على أن «الواجب أن يراعي هذا الأدب خصوصيتنا الحضارية والدينية والثقافية من خلال تقديم شخصيات عربية وموضوعات محلية أو عربية تناسب هويتنا وما نريده من جيل يتحلَّى بقيمنا وعاداتنا وثقافتنا النقية، لأن لدينا هروبا واضحا من مسؤولية التربية الحقيقية وأدب الطفل العربي الحقيقي الذي يمكننا به أن نواكب حاجات أطفالنا واهتماماتهم». ويضيف أبو طالب «إضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في تغييب هذا الفن كصعوبة أدب الطفل وخصوصيته كتابة وإنتاجا إذ يحتاج إلى مؤسسات ذات قدرات عالية خاصّة إبداعياً وفنيا وتقنيا، وهذا غائب عنا أو مغيَّب وسط قضايا الكبار المصيرية والأولية، إذ لم يستقر تماما وضع الكبار وحاجاتهم، فما بالك بالصغار في نظر مؤسساتنا المعنية التي ترى الحياة أولويات يجب أن تبدأها بالكبير بحسب ثقافتنا الموروثة، واعتقاد الكثير بأن أدب الطفل من سقط المتاع، يمثل هامشا ثانويا في الاهتمام بسبب الاعتقاد الذي كان سائدا قديما مع بداية القرن الماضي من أن أدب الطفل «لعب عيال» وكتابة للصبيان يُنقِصُ من قدر الأديب وقد يحطُّ من موهبته». إلا أنّ أبو طالب يتفاءل اليوم بأن «الوعي بأدب الطفل صار كبيراً وقيمته أكبر وأكثر حضورا وأوسع طلبا». بينما القصور في دور المؤسسات الثقافية ينفيه نائب رئيس «أدبي حائل» رشيد الصقري مؤكداً «أعترف أن الكتابة للطفل من أصعب المجالات الأدبية، ويندر أن نجد متخصصا في هذا المجال إلا أن نادي حائل أقام دورات للقراءة من ضمنها دورة لحنان الريس، إضافة إلى وجود لجنة في النادي تهتم بثقافة الطفل ومسرح الطفل برئاسة الدكتورة الجوهرة الجميل وتعنى بتوزيع كتب الأطفال في الأماكن التي توجد فيها الأسرة مثل الأسواق وأماكن الترفيه».
مشاركة :