أعلنت مصر، الأحد، عن وقف استيراد الغاز المسال من الخارج. وأوضح مسؤولون مصريون أن إعلان مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز المسال ووقف الاستيراد نتيجة زيادة إنتاج حقل ظهر بشكل مطرد منذ يناير بحوالي ستة أضعاف. ومن شأن إعلان القاهرة أنها باتت اليوم مصدرة للغاز أن يعزز من مكانتها الإقليمية حيث سيفتح لها باب تعاون اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي كان أول ملامحه توقيع الحكومتين المصرية والقبرصية مؤخرا أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحري مباشر بين البلدين، وسيقطع هذا التعاون على روسيا وتركيا اللتين تحاولان استغلال ورقة الاقتصاد لتمرير أجنداتهما في المنطقة. القاهرة - ربما يصبح إعلان طارق الملا وزير البترول المصري، السبت، توقف مصر عن استيراد الغاز المسال من الخارج، واحدا من الأخبار الإيجابية للمصريين، حيث من شأن الاستقلال الغازي أن يزيد من مكانة القاهرة الإقليمية ويؤهلها كي تكون مركزا لتصدير الغاز المكتشف بكميات هائلة في شرق البحر المتوسط، في وقت يترقب فيه الاتحاد الأوروبي الاستفادة منه لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، بعد تصاعد توتر العلاقات مع موسكو. وأكد طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري، الأحد، أن بلاده حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز نتيجة زيادة إنتاج حقل “ظهر” باطراد منذ يناير الماضي حتى الآن بحوالي ستة أضعاف حيث زاد من 350 مليون قدم مكعب يوميا إلى 2 مليار قدم مكعب يوميا فضلا عن دخول حقول أخرى خط الإنتاج ليصل إجمالي إنتاج مصر من الغاز إلى 6 مليارات قدم مكعب غاز يوميا. وأوضح أن مصر تسلمت آخر شحنة مستوردة من الغاز الأسبوع الماضي. وقال الوزير متحدثا لرويترز “بوصول آخر شحنات الغاز المسال لمصر الأسبوع الماضي نعلن وقف استيراد الغاز من الخارج”. وتسعى مصر إلى أن تصبح مركز إقليميا لتداول الغاز الطبيعي المسال بعد سلسلة من الاكتشافات الكبيرة في الأعوام القليلة الماضية منها حقل ظهر البحري العملاق الذي يحوي احتياطيات غاز تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب. وبلغ إنتاج مصر اليومي من الغاز الطبيعي 6.6 مليار قدم مكعب يوميا هذا الشهر مقارنة مع 6 مليارات قدم مكعب يوميا في يوليو الماضي. والإنتاج المصري ينمو باطراد منذ بدء تشغيل حقل ظُهر في ديسمبر الماضي. مكاسب تجارية وسياسية تواجدت مصر في نادي مستوردي الغاز الطبيعي في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 رغم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني آنذاك، حيث تعطلت عمليات تنمية حقول الغاز المكتشفة في المياه العميقة، ولم يعد يكفي احتياجات القطاعات المستهلكة، ما أدى إلى تعرض العديد من المصانع للتوقف أو تخفيض الإنتاج. ولجأت مصر لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك إلى الاستيراد من الخارج وذلك عام 2012، بعد أن كانت دولة مصدرة للغاز منذ عام 2005. ومثل استيراد الغاز عبئا ماليا كبيرا على الموازنة العامة المصرية، في ظل تراجع احتياطات النقد الأجنبي في البلاد. واستوردت مصر 118 شحنة من الغاز الطبيعي المسال في السنة المالية 2016-2017 بقيمة 2.5 مليار دولار، و76 شحنة في 2017 - 2018، بقيمة 1.8 مليار دولار، و17 شحنة في الربع الأول من السنة الحالية، بقيمة 500 مليون دولار. ومن المتوقع تحقيق وفر مالي قدره 1.5 مليار دولار سنويا بعد وقف استيراد الغاز المسال. ويدعم استقلال مصر الغازي الاحتياطي النقدي الأجنبي، والذي تعتمد عليه القاهرة في استيراد معظم احتياجاتها. ففي مايو من العام الماضي، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “إن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي من جميع الحقول سوف يوفر للحكومة حوالي 3.6 مليار دولار سنويا”. اكتفاء مصر من الغاز سيسمح بتوفير الطلب المحلي المتزايد على الطاقة بشكل كبير، خاصة في ما يتعلق بتلبية احتياجات محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي، والمسؤولة عن إنتاج حوالي 75 بالمئة من إجمالي الكهرباء المنتجة في مصر ويوفر اكتفاء مصر من الغاز قدرة كبيرة على توفير الطلب المحلي المتزايد على الطاقة، خاصة في ما يتعلق بتلبية احتياجات محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي، والمسؤولة عن إنتاج حوالي 75 بالمئة من إجمالي الكهرباء المنتجة في مصر. ويساهم ذلك في تعزيز الاستقرار السياسي وزيادة شعبية القيادة الحالية، عقب معاناة قطاع كبير من المصريين جراء الانقطاع المتكرر للكهرباء وتوقف محطات توليدها عن العمل السنوات الماضية بسب نقص الوقود. وتوفر عوائد تصدير الغاز الطبيعي مستقبلا فوائد إضافية للدولة، يمكن الاستفادة منها في تحقيق المزيد من الاستقرار الاجتماعي، حيث اضطرت الحكومة إلى خفض الدعم وزيادة الضرائب وترشيد الإنفاق، ما أدى إلى زيادة المعاناة الاقتصادية لدى الشرائح الأكثر فقرا. ومن شأن استقلال مصر في مجال الغاز الطبيعي، أن يعزز مكانتها الدولية. وسيحولها إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز في شرق البحر المتوسط، ويزيد من أهميتها الجيوسياسية، ليس فقط لدول هذه المنطقة، وإنما أيضا لدول الاتحاد الأوروبي الساعية إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، الذي أصبح يشكل حوالي 40 بالمئة من إجمالي الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي. ويصب ذلك في مربع القوة المصرية الناعمة والصلبة، ويخصم من الرصيد السياسي للمناوئين لها، مثل تركيا وقطر وإسرائيل، ويبقى على صانعي القرار في القاهرة أن يضطلعوا بعبء تحويل الجانب النظري إلى إجراءات عملية تخدم المصالح الوطنية. ولدى مصر محطتان لتسييل الغاز الطبيعي على البحر المتوسط، وذلك في مدينتي إدكو ودمياط، وتبلغ قدرة كل من المحطتين 11.48 بليون قدم مكعب و7.56 بليون قدم مكعب على التوالي، وإجمالي قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر يصل إلى حوالي 19 مليار متر مكعب. كما تمتلك مصر عددا من خطوط نقل الغاز الطبيعي مع إسرائيل (العريش – اشكلون)، وتبلغ سعته 7 مليارات متر مكعب، أما خط الغاز العربي والذي يبلغ طوله 1200 كم وسعته 10 مليارات متر مكعب، ويربط مصر مع الأردن ولبنان وسوريا، يمكن مده مستقبلا ليصل إلى تركيا، إذا تحسنت العلاقات السياسية مع أنقرة. ويبدو أن الدول الأوروبية ودول شرق المتوسط، تدرك جيدا التداعيات الجيوسياسية لاستقلال مصر في مجال الغاز الطبيعي، الأمر الذي دفعها إلى إبرام العديد من الاتفاقات المهمة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الاستقلال. شراكة استراتيجية توصل الاتحاد الأوروبي مع القاهرة في أبريل الماضي لمذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، وجاءت بعنوان “الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي”، وتشمل تطوير التعاون الأوروبي المصري في قطاع الطاقة خلال الفترة 2018 – 2022 في مجالات دعم وتطوير قطاع البترول والغاز. وفي 18 سبتمبر الماضي، وقعت الحكومتان المصرية والقبرصية رسميا أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحري مباشر، بتكلفة تصل إلى حوالي مليار دولار، لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى تسهيلات الإسالة بمصر (في محطتي إدكو ودمياط) لإعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية. وقال وزير الطاقة القبرصي جورج لاكوتريبيس بعد توقيع الاتفاق مع وزير النفط المصري طارق الملا إن “التوقيع إنجاز هام، ليس فقط لقبرص بل أيضا لكامل منطقة شرق المتوسط”. اكتفاء ذاتي من الغاز اكتفاء ذاتي من الغاز وأثار اكتشاف حقل ظهر المصري عام 2015 الأضخم في المتوسط والقريب من أفروديت الكثير من الاهتمام حول إمكان أن تحتوي المناطق القبرصية على احتياطات مشابهة. ويدعم اتفاق الأربعاء الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى تنويع مصادره للطاقة. وقال لاكوتريبيس “نحن نتحدث بشكل أساسي عن خط أنابيب أوروبي مخصص لنقل الغاز الطبيعي القبرصي إلى مصر لإعادة تصديره إلى أوروبا على شكل غاز طبيعي مسال”. وينظم هذا الاتفاق، الذي يعد نموذجا لتعزيز التعاون الشرق متوسطي في مجال الغاز الطبيعي، مسائل استيراد وتصدير الغاز بين مصر وقبرص، كما ينظم الاتفاق كيفية البدء في بناء خط أنابيب في المستقبل يخترق المناطق البحرية الاقتصادية في البلدين. ويعد الاتفاق، الذي وقعه طارق الملا، وزير البترول المصري، جورج لاكوتريبيس، وزير الطاقة والصناعة والسياحة والتجارة القبرصي، اتفاقا سياسيا أكثر منه تجاري، بما أنه يغطي القضايا القانونية والضريبية والتنظيمية والبيئية المرتبطة بمشروع خط أنابيب نقل الغاز بين الدولتين، وما سوف يترتب عليه من صفقات تجارية، ولا يشمل مسألة التسعير، والتي سوف تترك للشركات التي تمتلك غاز حقل أفروديت، وتشمل (نوبل إنرجي، وديليك، وشل)، والشركات المالكة لمحطتي تسييل الغاز الطبيعي في مصر. ويحل الاتفاق المصري القبرصي المشكلة الوحيدة المتبقية لتصدير الغاز القبرصي المكتشف في شرق المتوسط إلى أوروبا. فجميع البدائل المتاحة الأخرى أمامها عراقيل مالية وأمنية وسياسية ضخمة. وأحد البدائل المتاحة، والذي تمت الموافقة عليها من الناحية المبدئية في 5 ديسمبر الماضي بين قبرص وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية، هو ضخ الغاز القبرصي والإسرائيلي مباشرة إلى أوروبا عبر ممر الغاز الجنوبي (بطول ألفي كيلومتر تقريبا) من خلال تنفيذ مشروع خط شرق المتوسط الذي يربط قبرص وإسرائيل باليونان، عبر جزيرة كريت. ويواجه هذا الخيار العديد من التحديات المالية والفنية والتجارية، منها وصول تكلفته إلى حوالي 7.4 مليار دولار، وهي تكلفة عالية جدا في ضوء ضآلة الكمية التي سوف ينقلها الخط من الغاز الطبيعي إلى أوروبا. كما من المتوقع أن يواجه مشروع خط شرق المتوسط معارضة شديدة من جانب روسيا، التي تبدو حريصة على منع دخول أي مصدر كبير جديد للغاز الطبيعي إلى أوروبا، ومستعدة لخفض سعر الغاز الطبيعي الروسي لمنع الجدوى الاقتصادية لإنشاء أي خطوط أنابيب جديدة تتجه إلى أوروبا. تلوح تركيا من حين لآخر بقوتها العسكرية، لمنع قبرص من تطوير مواردها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، باعتبار أن موارد الغاز الطبيعي في المياه القبرصية يجب أن تتم مشاركتها بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين أما البديل الآخر لنقل الغاز القبرصي إلى أوروبا، فهو من خلال خط أنابيب إلى تركيا. ويتمتع هذا البديل بالمنطق التجاري الأفضل، لأنه الأرخص والأسرع إنشاء. لكن هذا المسار يمنح أنقرة السيطرة على صادرات الغاز القبرصية، بينما يوجد توتر شديد بين الدولتين منذ فترة طويلة. ويعود الاتفاق المصري القبرصي، بعوائد مالية مهمة وكبيرة للقاهرة، نتيجة رسوم العبور والضرائب والجمارك ويكشف عن تخلي القبارصة عن نقل الغاز عن طريق الأنابيب، والاعتماد على تسييله ثم نقله بالسفن إلى الأسواق الأوروبية والأسيوية. وكان اللجوء إلى مصر الخيار الأمثل بالنسبة لقبرص في الوقت الحالي، ويبدو أن قبرص غير قادرة على الحصول على موارد مالية ضخمة لإقامة البنية الأساسية اللازمة لتصدير الغاز إلى الخارج، في شكل محطات لتسييل الغاز الطبيعي (العائمة أو الأرضية) أو مد أنابيب الغاز إلى القارة الأوروبية. ويمكن القول إن استقلال مصر الغازي يدفع إلى تشجيع التعاون الإقليمي في مجال الغاز الطبيعي، خاصة مع وجود فرصة كبيرة وقاعدة متينة لتوسيع التعاون المصري القبرصي ليشمل دولا متوسطية أخرى في المستقبل، مثل إيطاليا ولبنان والأردن وليبيا. الموقف التركي توقع مراقبون أن يثير التعاون الإقليمي في مجال الغاز الطبيعي، توترا كبيرا في العلاقات مع أنقرة، مع بروز الموقف التركي الأخير الهادف إلى عرقلة التقدم في عملية الاستغلال الأمثل لاكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط. وتلوح تركيا من حين لآخر بقوتها العسكرية، لمنع قبرص من تطوير مواردها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، طالما لم يتم حل المشكلة القبرصية، باعتبار أن موارد الغاز الطبيعي في المياه القبرصية يجب أن تتم مشاركتها بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين. وما يدعم هذا التقدير ميل أنقرة إلى استخدام “دبلوماسية البوارج الحربية”، لمنع شركة إيني من العمل في المياه القبرصية في فبراير الماضي، خاصة مع تصاعد المخاوف التركية من تزايد التقارب العسكري والاستراتيجي بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، كم أكدت أنقرة رفضها للاتفاقيات التي توصلت إليها قبرص لترسيم حدودها البحرية، بما فيها الاتفاقات التي توصلت إليها مع مصر وإسرائيل. وينذر الموقف التركي المتعنت بنشوب أزمة كبرى في المدى المنظور. فقد اضطر سلاح البحرية الأميركي مؤخرا إلى حماية القطع البحرية لشركة النفط العملاقة “إكسون” التي تنقب عن الغاز قبالة شواطئ قبرص. وجددت القاهرة رفضها التام لما وصفته بـ”الانتهاكات التركية” في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص في مياه البحر المتوسط، محذرة أنقرة من المساس بحقوقها الاقتصادية، بموجب الاتفاقية التي أبرمتها مع قبرص لترسيم الحدود البحرية عام 2013.
مشاركة :