اليوم العمل الخيري أخذ مساحة كبيرة من رؤية 2030 كونه قطاعاً ثالثاً يلي القطاع الحكومي والعام والقطاع الأهلي، وكثير من الدول تعول الكثير على هذا القطاع؛ لأنه يقوم على الشراكة المجتمعية بمفهومها الشامل، ومساهمة المواطن في نهضة بلده في شتى المجالات.. لذلك العمل الخيري في الدول المتقدمة يغطي ثغرات كبيرة قد لا يستطيع الجهاز العام تغطيتها ليس من الجانب المالي ولكن لإمكانية الانتشار والتنوع، خاصة أن هناك أدواراً كبيرة للعمل الخيري في مجالات العلوم والمعرفة وليس في الجانب الاجتماعي، فالجمعيات العلمية في الدول المتقدمة هي من قادت الحركة العلمية والمعرفية، وهي من ساعدت في صياغة القوانين والدفاع عن الحقوق العلمية، وفي أغلب الدول المتقدمة تدار الجمعيات بالفكر الخيري وتحقق الاستدامة العلمية والعراقة التاريخية، فقد تتقلص النشاطات الحكومية ولكن العمل في النشاط الخيري يستديم مادام هناك فكر يقوم على مفهوم الشراكة الحقيقية، وكذلك الإيمان بالدور الذي يلبيه الجانب الخيري في نهضة الشعوب على المستويات كافة. اليوم هناك فجوة معرفية في مفهوم العمل الخيري لدينا، فهناك جمعيات يرخص لها على المستوى المهني والعلمي والإنساني، وكل يوم في ازدياد ويكن أين هذه الجمعيات من مفهوم العمل الخيري الذي نتوقعه والذي شاهدنا في الدول المتقدمة والمتحضرة، وكما إسهاماته الحقيقية في المجالات كافة؟... وهل لدينا إحصائيات بذلك؟ وهل هو عمل مستدام أم مجرد فقاعة صابون تظهر قوية على مستوى الفكرة والأهداف ثم ما تلبث أن تموت وتختفي عن الأنظار وتدار بمجموعة من المنتفعين؟ وهل نعلم أين تنفق الميزانيات؟..إلخ. اليوم العمل الخيري أصبح عبارة عن نزوة لا تلبث أن تنتهي في وقت ما، ونوعاً من أنواع التمركز حول الذات، وبديموقراطية لا تتفق مع جوهر أو أداء أي عمل خيري... فليس من منطق العمل الخيري أن نجد مجموعة من الأفراد يسيطرون ويتحكمون في أي جمعية، وكأنها شركة مقفلة على نفسها، وإذا أردت الإسهام والشراكة تبدأ آليات المقاومة والأساليب البيروقراطية للانضمام وكأنك سوف تقدم على وظيفة.. فهل تحولت الجمعيات إلى وظيفة مَن لا وظيفة له، وأصبحت تدار بأفكار أشبه بالعمل العام أو الحكومي البيروقراطي، وقد تحتاج إلى واسطة أو شفاعة من أحد الأعضاء أو مجلس الإدارة حتى تُنظم، وإذا نظمت وأنت مقتنع بالعمل الخيري ما تلبث أن تدخل في إجراءات إدارية وفكرية عميقة أشبه بمفهوم الإدارة العميقة التي تقتل عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ناهيك عن الصراعات في مجالس الإدارة على الكراسي ومن يرأس أولاً يرأس الجمعية. اليوم أسهل شيء أن تحصل على ترخيص جمعية، ولكن الأصعب هو الاستمرارية والاستدامة والشراكة والفكر الرشيد، وهذه روح العمل الخيري، يلي ذلك الحوكمة لجميع فعاليات ونشاطات وأهداف الجمعية، إلى جانب وجود مؤشرات أداء، فليس من المنطق أن تعمل الجمعية - وهي جمعية مجتمع مدني - من دون استراتيجية واضحة ومؤشرات أداء وشفافية!!! * نقلا عن "الرياض"
مشاركة :