واشنطن – أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا رئيسيا يستخدمه الصحافيون في البحث عن القصص والأخبار، ونشر وتسويق المحتوى والتفاعل مع الجمهور، ورغم ذلك فإنها كمنصة مصمّمة بالأساس للمشاركة الشخصية، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تحديًا لحيادية الصحافي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمناقشة السياسة والشؤون الحالية. وكثيرا ما يسبب التعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاكل للصحافيين، ففي الشهر الماضي أعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن توظيف سارة جيونغ الصحافية المتخصصة بالتكنولوجيا، ما تسبب في إثارة غضب الإعلام اليميني على الإنترنت، الذي أعاد نشر تغريدات سابقة لجيونغ -صاحبة الأصول الآسيوية- تحمل نكاتا حول الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، مضت عليها سنوات. وأدانت كل من صحيفة التايمز وجيونغ اللغة المستخدمة في المنشورات، موضحتين أن تغريدة الصحافية، وفق ما ذكرت كريستيانا بيداي في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين، كانت ردا على تعليقات مسيئة، لكن الحادثة هي واحدة فقط في سلسلة من الروايات المشابهة. ويرتبط الأمر بمنظومة متكاملة: الصحافي والسياق والمؤسسة الإعلامية المعنية. فقد عملت جيونغ قبل الانضمام إلى التايمز، في “ذا فيرج” التابعة لـ“فوكس ميديا” و“ماذر بورد” التابعة لـ“فايس”، وهما وكالتا أنباء متخصصتان بالتكنولوجيا، وكانت تتبنّى موقفا صريحا أمام جمهور متخصص وأصغر سنًا وأكثر إلمامًا بنوع معيّن من الخطابة الاستفزازية على الإنترنت. وتقول شانون ماكغروغر وهي أستاذة التواصل السياسي في جامعة يوتا، إنه كقاعدة عامة فإنه يجب عدم تشجيع قلة الأدب والإهانة وهذا النوع من التعليقات خصوصا من قبل الصحافيين. وتضيف “يبدو أنه في معظم الأحيان يتم السماح للصحافيين وفي بعض الحالات تشجيعهم على المشاركة في مناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تنطوي بعض الأحيان على التفاعل ومشاركة آرائهم”. وتابعت “بالتأكيد سيفتح ذلك عليهم باب الاتهام بالانحياز، لكن لا أعتقد أن يكون بالضرورة هذا هو الحال. لطالما كانت لدى الصحافيين آراء ويسعون جاهدين للموضوعية في تقاريرهم، إنهم بشر”. مع ذلك لا زالت الموضوعية تمثل قيمة حاسمة بالنسبة للصحافة وفي العديد من المؤسسات الإعلامية، نيويورك تايمز وبي.بي.سي وإن.بي.أر ورويترز، -على سبيل المثال لا الحصر- فقد طبقوا سياسات تشجع الموظف على مراعاة سمعة الشركة حول النزاهة، عند التفاعل على الإنترنت في كل الأوقات. واعتبرت شانون “على الأقل فإن هذا يعني أنهم يفكرون فيها، ومن المهم لهم التفكير في الدور الذي على وسائل التواصل الاجتماعي أن تلعبه في الحياة اليومية لصحافييهم”. 12 بالمئة فقط من الصحافيين يشعرون بالارتياح في مشاركة آرائهم السياسية من جانبه، يعتقد أنطوني أدورناتو، وهو أستاذ جامعي في إيثاكا ومؤلف متخصص في صحافة وسائل التواصل الاجتماعي، أنه “من المهم أن يطبّق الصحافيون الأخلاقيات والمبادئ الأساسية في صحافة التواصل الاجتماعي أيضا”. وكتب أدورناتو في رسالة بريد إلكتروني قائلا “على الصحافيين عدم مشاركة آرائهم حول السياسة على حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي ولا حتى تلك التي تعتبر حسابات خاصة”. ويقترح أدورناتو التعليق حتى عند المشاركة، بإبداء الإعجاب أو المتابعة لأي شخص أو منشور ذي طابع سياسي “فعندما يعيد الصحافي نشر تغريدة مرشّح سياسي، عليه أن يضمنها جملة تشرح سبب هذا المنشور، أما إذا نشرها من دون إرفاقها بجملة شرح فإنّ المستخدمين قد يتساءلون عمّا إذا كان يؤيد الرأي المعبّر عنه في التغريدة”. ويصل أدورناتو إلى حد القول إن على الصحافيين متابعة صفحات أو حسابات الأحزاب السياسية والسياسيين لغرض جمع المعلومات فقط. ويقول “بعبارة أخرى، للاستمرار بمتابعة ما ينشره شخص ما فمن المحتمل أن يكون مهمًا من الناحية الإخبارية”. وتابع “إذا كنت تتابع مرشحًا أو حزبًا واحدًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فيجب عليك أيضًا أن تتابع الآخر (الآخرين) أيضًا”. ويعني أنه من الأفضل أن يكون الصحافيون حذرين، والعديد منهم أدركوا ذلك بالفعل. حيث أشارت دراسة في عام 2013 إلى أنّ عددا قليلا من صحافيي الأخبار السياسية -بخلاف المعلّقين- يشعرون بالارتياح لمشاركة الآراء السياسية أو إزالة الحدود بين الشخصي والمهني، مشيرين إلى أن المعايير الصحافية التقليدية لازالت قائمة. وقد بلغت نسبة أولئك الصحافيين الذين رأوا أن مشاركة آرائهم أقل إشكالية نحو 12 بالمئة من إجمالي الصحافيين الذين شملهم البحث. وعند طرح التساؤل حول ما هي الطريقة البنّاءة للتفاعل مع الأخبار والأحداث على وسائل التواصل الاجتماعية؟ تقترح ماكغروغر مشاركة سير عملية التقارير، وتقول “نحن نشهد انخفاض مستويات الثقة في الأخبار -في الواقع، عبر العالـم- ولـذا أعتقـد أن إحـدى الاستـراتيجيات التي يمكن للصحافة استخدامها لمـواجهة ذلك هي أن تكـون أكثر شفـافية حـول التقارير”. وتشير ماكغروغر إلى قضية ديفيد فهرنتولد من صحيفة واشنطن بوست، التي فازت بجائزة بوليتزر العام الماضي لتقاريره عن إدارة دونالد ترامب، كمثال على ذلك، وتقول “إنه يقوم بالمشاركة مباشرة على تويتر بينما يكتشف أشياء جديدة، ويتحدث عن عملية التحقيق الخاصة به”. مع ذلك، فإن الكشف عن كيفية تشكل القصص، لا يعني الكشف عن آراء شخصية حول الوقائع أو الأشخاص الذين يتم كشفهم، وهل ينبغي ذلك؟ يعتمد ذلك على كيفية اعتزام الصحافيين والمؤسسات الإعلامية دعم الدقة والإنصاف: سواء أكانوا يسعون إلى تحقيق الحياد والموضوعية أو يقرّون بأن التحيّز أمر حتمي وينفتحون عليه.
مشاركة :