أكّد فضيلة الشيخ الدكتور عيسى بن عبدالله الغيث القاضي السابق بوزارة العدل وعضو مجلس الشورى والخبير في المجامع الفقهية ذو السجل الحافل بالأبحاث والدراسات العلمية في العلوم الشرعية أنّ تكفير الفعل للعلماء المختصّين المؤهلين دون غيرهم وتكفير الفاعل للقضاء صاحب الولاية لضمان محاكمة عادلة، مشيراً إلى وجود علماء ودعاة رسميين يبثون خطب وتغريدات الكراهية وتسميم فكر المتلقين حول الكفر والنفاق. وقال د. عيسى الغيث في حواره مع «الجزيرة»: إننا نرى اليوم أثر الدراما وتأثيرها وضمور أثرالخطاب التقليدي المباشر، مبيناً وجود شكوى من الناس لواقع القضاء، وهذا يحتّم تطوير المحاكم وإدارتها ومدخلاتها ومخرجاتها ومنجزاتها وكوادرها وبرامجها. كما تناول الحوار مع القاضي عضو مجلس الشورى عيسى الغيث عددا من القضايا المتعلقة بالخطباء ورؤية 2030 والأمن الفكري والتصنيفات التي ابتلي بها المجتمع.. وغير ذلك. وفيما يلي نصّ الحوار: * بدايةً ألا تعتقد د. عيسى أنّك تجنّيت على الخطباء حينما وصفت مسلسلا تلفازيا أكثر وأنفع منهم؟ - سيلفي برنامج درامي كوميدي يحمل رسالة نقدية لسلوكيات فكرية واجتماعية، وهذا المسلسل مثل غيره له وعليه، ويشاهده ثلاثون مليون مشاهد مباشر عند بثه كل يوم، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون أثر ونفع الحلقة ذات الرسالة السامية مثل حلقات نقد التطرف والإرهاب ونقد الفساد المالي والإداري وغيرهما أكبر وأكثر من آلاف الخطب والمقالات التي يكون موضوعها وصياغتها وأداؤها ضعيفا وحضورها أضعف، وأما وصف المحتسب لمن يقوم ببطولة هذه البرامج ذات الرسالة السامية فمن الطبيعي أن يكون محتسباً لله وللوطن وللناس للمصلحة العامة، فكل من قدم خدمة ونقدا ونصيحة تصب في المصلحة العامة فهو محتسب بغض النظر عن كونه مطوعا بشكله أو غيره، فالطوع ليس بالشكل بل بالقلب والفكر واللسان والفعل والأثر العام للبلاد والعباد، وحتى الكافر حينما يخدم المسلم فهو محتسب فكيف بغيره، وقد دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها، وبالمقابل دخلت الجنة مومس سقت كلباً من العطش، وهذا دليل على العمل وليس مجرد الشخص، ونحن اليوم نرى أثر الدراما وتأثيرها وضمور أثر الخطاب التقليدي المباشر. * مارستم القضاء سنوات عدّة، وعملتم في الكثير من برامجه وتنظيماته.. كيف ترون واقع القضاء الآن، وما تصوراتكم له في الرؤية 2030؟ - واقع القضاء اليوم لا يسر، وأتمنى أن تشمل الرؤية 2030 والتحول 2020 القضاء والتوثيق بسرعة وجودة، فالناس يشكون من الواقع ويحتاجون لقضاء عادل وعاجل وليس ظالما وبطيئا، ولدينا الكوادر الكافية ولكن نحتاج لإرادة سياسية تستعجل إصلاح القضاء ولاسيما من حيث واجب تقنين الشريعة عاجلاً عبر قوانين الأحوال الشخصية لحفظ حقوق الطفل والمرأة والرجل، وكذلك القوانين الجزائية والحقوقية والعمالية وغيرها، وكلها ضمن الشريعة الإسلامية، إضافة لتطوير المحاكم وإدارتها ومدخلاتها ومخرجاتها ومنجزاتها وكوادرها وبرامجها، وهناك أفكار كثيرة يمكن تحقيقها لو توفرت الإرادة السياسية. * ابتلي مجتمعنا بما يسمى بـ «داء التصنيف» وبالذات لدى العاملين في المؤسسات الشرعية.. ترى ما أسباب ذلك؟ - هناك فرق بين التوصيف والتصنيف، وفرق بين التصنيف للأعيان والتصنيف للسلوك، وأرى أن التوصيف للواقع لا يعني تشتيته أو مس اللحمة الوطنية، فحينما أصف التطرف والإرهاب فلا يعني هذا تصنيفي لفلان أو لعلان بذلك ولكن الواجب الشرعي والوطني يوجب علينا توصيف ما يجري حتى ندرك حقيقته ونعرف كيف نتعامل معه رسمياً وشعبياً، وكذلك التصنيف للسلوك مثل التوصيف للواقع ولاسيما التيارات اليمينية (الإسلاموية بنوعيها الراديكالية والبراغماتية) واليسارية (بأنواعها القديمة الاشتراكية والقومية كالبعثي والناصري، والجديدة العلمانية والليبرالية) والوسط ومنه الإسلامي الحقيقي بوسطيته واعتداله وتسامحه ومنه القريب منه من التيارات غير الإسلامية التي تختلف معه ولكن اختلافها جزئي فكري وسلوكي ضمن الفروع لا الأصول، والغريب والمستفز في الأمر أن تجد يمينيا متشددا ينكر عليك مجرد التوصيف الواقعي والتصنيف السلوكي وهو نفسه يمارس التوصيف المضلل والتصنيف الفردي فيصدر أحكام التكفير والتبديع والنفاق والضلال والزندقة والتغريب والتلون والانتكاس وغيرها على الأسماء فضلاً عن تصنيف فلان باسمه أنه جامي لكونه وطنيا أو ليبروجاميا لكونه وسطيا وطنيا، ولكنك بمجرد أن تنقد مثلاً جماعة الإخوان أو سلوكيات معينة ودون ما تذكر أي اسم إذ به نفسه الذي كان يكيل التصنيفات والتكفيرات للأعيان قبل لحظات يتهمك بأنك تصنف وتشق الوحدة واللحمة الوطنية وبلا خجل ولا وجل منه تجاه تناقضه، فحرام علينا مجرد التوصيف وحلال زلال له التصنيف والتعيين وحتى التكفير والتضليل، في حين أن تكفير الفعل للعلماء المتخصصين المؤهلين دون غيرهم وتكفير الفاعل للقضاء صاحب الولاية لضمان محاكمة عادلة وليس بهذه الفوضوية حيث بتغريدة واحدة يكفر الأعيان ويعطي الإرهابيين شيكاً على بياض لتصفية هذا الكافر باعتقاده عبر اغتياله أو تفجيره، ثم يتباكى حين تتم هذه العمليات الإرهابية ويتجاهل ويستغبي الناس بأنه هو المحرض والمبرر لهذا الإرهاب. * الأمن الفكري ركيزة أساسية من ركائز الأمن في المجتمع.. في تصوّركم كيف يمكن تحقيقه على وجهه الصحيح؟ - الفكر المحقق للأمن هو الفكر الوسطي المعتدل المتسامح الذي أمر به الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحينما تنشر ثقافة الغلو والتطرف والإرهاب والكراهية واستباحة الدماء والأعراض والأموال فلا يمكن حينها أن يعيش الناس في أمن وأمان واستقرار، وحينما نجد علماء ودعاة رسميين يبثون خطب وتغريدات الكراهية وتسميم فكر المتلقين حول الكفر والنفاق فلا تستغرب حينها أن يرميك جاهل بأنك كافر أو منافق حينما تختلف معه في مسألة فقهية اجتهادية فضلاً عن أن تكون مسألة عقدية مع طوائف المسلمين، ناهيك عن غير المسلمين ممن كانوا يجدون الأمن في بلاد المسلمين والآن يعيشون في خوف وهاجروا إلى الغرب بسبب الإرهاب في المنطقة العربية تجاههم، والحل بإرادة سياسية حازمة تفرض القوانين للمحافظة على الوحدة الوطنية ومكافحة التمييز والكراهية ومن ثم تكليف النيابة العامة بتنفيذ هذه التشريعات بالمرافعات لدى القضاء بعد الضبط والتحقيق والادعاء العام، بالإضافة للتنفيذ الحازم من الجهات الأمنية والتعليمية والإعلامية المختصة لكل ما يثير الأمن الفكري ولاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي استغلها بعضهم لتوظيفها بإثارة الأمن الداخلي بزعم حرية التعبير، ولكن حرية التعبير تقف عند حدود حقوق الله وحقوق الناس وليس بهذا الشكل الموجود. * تابعتم انطلاقة رؤية المملكة 2030 وكخبير متخصص ماهي رؤيتكم لتحقيق أهداف الرؤية والتحول في وطننا؟ - إذا أردنا أن تتحقق الرؤية والتحول فلا بد من ثلاثة أمور: - استراتيجية شاملة وواقعية، وخطة تنفيذية محترفة، وبرنامج زمني دقيق، ومقياس أداء يومي وأسبوعي وشهري وربع سنوي وسنوي، وكل سنة يتم محاسبة الوزراء وإعفاء من لم يحقق الهدف. - تعيين وزراء وقياديين أكفياء ومؤهلين وأقوياء وأمناء، وأن يعين مع كل وزير فريق عمل من نواب ومساعدين ووكلاء ومستشارين وليس بأن يقود وزارة ضخمة بمفرده. - أن يكون العمل مؤسسيا لا ارتجاليا وجماعيا لا فرديا، وأن يؤسس في كل وزارة (مجلس إدارة الوزارة) وباجتماع أسبوعي فاعل، وأن يبدأ كل وزير من نهاية عمل الوزير السابق ويبني عليه وليس كل وزير يدفن قبله ويعاديه وعهده ورجاله ويبدأ من جديد وحينها لن نصل أبداً لأهدافنا ما دمنا كذلك. ما دام الفساد ضاربا بأطنابه منذ عشرات السنين، سواء الفساد الإداري والمحسوبيات في التعيين والترقية والتسيب ونحوه والذي يجب أن يراقبه هيئة الرقابة والتحقيق، والفساد المالي بأنواعه سواء في الرواتب والبدلات وخارج الدوام والانتدابات ونحوه إضافة لفساد المشاريع بأنواعها والذي يجب أن تراقبه قبلاً وزارة المالية وبعداً ديوان المراقبة العامة، ثم تأتي هيئة مكافحة الفساد لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد على أن يكون عملها بكنس الفساد من الأعلى وليس من الأدنى، وإذا لم تقم هيئة النزاهة بواجبها فمن الفساد إبقاءها وهي تستهلك مئات الملايين من ميزانية الدولة بلا جدوى بل زيادة أعباء وخسارة وطنية، ولذا أقترح دمج هذه الجهات الثلاث بهيئة واحدة تسمى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ويعين لها ثلاثة نواب للرقابة المالية والإدارية والنزاهة مع إرادة سياسية جادة وحازمة وحاسمة لمكافحة الفساد كله ولكائن من كان.
مشاركة :