تبقى الهجرة إلى الحبشة حدثاً مهماً من أحداث الدعوة الإسلامية، فقد تحدثت المصادر عن أسبابها، ومن هاجر من المسلمين، وسردت المناظرة بين النجاشي وقائد المهاجرين جعفر بن أبي طالب، لكن المصادر سكتت بعد ذلك عن أحوال المهاجرين في هذه البلاد غريبي اللسان والعرق والدين، فلا نجد إلا روايات قليلة تلتقط بالمناقيش عن أحوال المهاجرين الاجتماعية والاقتصادية؛ أين سكنوا، وما علاقاتهم بالمحيط السكاني، وماذا امتهنوا من الأعمال، فلا نجد أي إشارة إلى أنهم بشروا بالدين الإسلامي، بل على العكس انتكس أحدهم فعاد نصرانياً، ولعل هذا يشير إلى مناقشاته التبشيرية، لكن ذلك يواجه بأنه لم يذكر أن حبشياً قدم معهم مسلماً. وتبقى بعض النتف تبين أن ما صنعه جعفر حين حجل «قفز على قدم واحدة» لما لقي الرسول تدل على مخالطة لأهل الحبشة وتأثره بصنيعهم، وسأله رسول الله عن عجائب الحبشة فذكر قصة واحدة تدل على اختلاطه بالناس ولم يزد هو أو الرواة، كما أن أسماء بنت عميس دلت فاطمة بنت رسول الله على صنيع أهل الحبشة في المرأة التي تحمل على النعش. هذه النتف القليلة لا تساعد على رسم حياة المهاجرين التي استمرت قريباً من العقد، وأمر آخر لم أجد من تناوله وهو: لماذا انتظر مهاجرو الحبشة كل هذه السنين حتى يرجعوا قبيل فتح مكة؟
مشاركة :