يوفال نوح هراري: الخوارزميات صارت تشكل مواقفنا

  • 10/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح المؤرخ والباحث يوفال نوح هراري ظاهرة عالمية بسبب كتبه التي تستكشف ماضي الإنسانية ومستقبلها، وتحاول الإجابة على الأسئلة التي تكمن وراء وجودنا. جعل هراري من دراسة البشر مهنته. تغوص أفكاره في عمق الحياة البشرية وما تشهده من تطورات على مدى التاريخ وإلى أين ستؤول في عصور الذكاء الاصطناعي، ضمن قراءات تبدو للوهلة الأولى وكأنها “خيال علمي”، إلا أنها في الحقيقة من صميم هذا الواقع الذي مر بمرحلة تغيير وجودي تحتاج فيها البشرية إلى التعاون. لندن- روبوتات تقوم بوظائف بشرية وذكاء اصطناعي يخترق الدماغ البشري، إلى حد قريب كانت مثل هذه الفكرة مجرّد سيناريو لفيلم خيال علمي، لكنها اليوم في طريقها لتتبلور كحقيقة وأمر واقع، تحتاج البشرية إلى أن تـتأقلم معه، مثلما هي بحاجة إلى أن تتأقلم مع متغيرات كثيرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. ويعني التأقلم هنا، وفق الباحث والمؤرخ يوفال نوح هراري، الاستثمار في استكشاف العقل البشري وتطويره، حتى لا يفقد إمكانياته، حيث “يجدر بنا أن نحاول أن نفهم عقولنا بصورة أوضح قبل أن تعمل الخوارزميات على تشكيل مواقفنا بالنيابة عنا”. يعتبر عالم المستقبليات يوفال نوح هراري من أبرز الباحثين المعاصرين الذين يهتمون بالبحث في التطور البشري، في علاقة بكل ما يحيط به سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا واجتماعيا وأيديولوجيا. وهو يرى أن البشرية ستعيش عدة سنوات صعبة سيتعين على الناس فيها إعادة تدريبهم، وتظهر وظائف جديدة، وبعض الناس لن يكونوا قادرين على الحصول على هذه الوظائف الجديدة، ثم ستظهر كنتيجة لذلك مشكلة البطالة الكبيرة. ولكن في النهاية تستقر الأمور ويحدث بعض التوازن، وسيتولد نوع جديد من الاقتصاد. أما بخصوص ما يشهده النظام الدولي القائم من تغييرات، فيرى أن إصلاحه يكون بالجمع بين الهوية الوطنية وروح الشعوب العالمية. جلب هراري الانتباه سنة 2011 بكتابه “العاقل ـ موجز تاريخ الجنس البشري”، وفيه انشغل بالبحث عن الإنسان، وكيف وصل إلى حالته الراهنة؟ وكيف سيكون مستقبله؟ وما هي العلاقة بين التاريخ وعلم الأحياء؟ وهل هناك عدالة في التاريخ؟ وفي سنة 2015 أصدر كتابه الثاني “هومو ديوس” أو “موجز تاريخ الغد”؛ ومن خلاله يعود إلى الماضي، متناولا تجربة الإنسان مع القضايا الأخلاقية المستمدة من التاريخ. وحاول رسم صورة لمستقبل البشرية من خلال دراسة فردية الإنسان هذه المرة، إضافة إلى ما أنجزته البشرية في الزمن الراهن واتصال هذا بمسار الإنسان. ومؤخرا، شغل يوفال نوح هراري العالم بأحدث إصداراته، وهو كتاب “21 درسا للقرن الحادي والعشرين”، وتطرق فيه إلى قضايا أكثر ارتباطا بما يجري على الساحة الدولية الراهنة، وإلى الحديث عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وظاهرة تغير المناخ واحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، وهشاشة الديمقراطيات الليبرالية والأخبار الملفّقة وتدفق البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وقد كتب جون ثورنهيل، في صحيفة فاينانشال تايمز، عن هذا الكتاب قائلا “إذا كنت تشعر بخيبة أمل بشأن حالة العالم، فمن الأفضل ألا تقرأ كتاب ’21 درسا للقرن الحادي والعشرين’، وهو أحدث كتاب للنجم الفكري يوفال نوح هراري”. وأضاف “في هذا الكتاب تُعلن وفاة القصة الليبرالية التي ألهمت وعملت على استمرارية الغرب لأكثر من قرن من الزمان، وهي تتبع إلقاء القصص الفاشية والشيوعية في مزبلة التاريخ”، واليوم تحتاج البشرية إلى التأقلم مع “عصر ما بعد الليبرالية”. تراجع الديمقراطية الليبرالية الفكرة التي ترى أن البشر كائنات مستقلة تماما، تختار أفكارها ورغباتها بحرية، هي فكرة سخيفة علميا وخطيرة سياسياالفكرة التي ترى أن البشر كائنات مستقلة تماما، تختار أفكارها ورغباتها بحرية، هي فكرة سخيفة علميا وخطيرة سياسيا يتحدث يوفال نوح هراري، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، عن نقاط الضعف وتراجع الديمقراطية الليبرالية، مشيرا بقوله “إنني أواجه معضلة شخصية خطيرة عندما يتعلق الأمر بالليبرالية. فأنا أعتقد أن القصة الليبرالية معيبة، كما أنها لا تقول شيئا عن حقيقة الإنسانية، وبالتالي علينا أن نتجاوز ذلك من أجل البقاء والازدهار في القرن الحادي والعشرين”. ويضيف في مقابلة أخرى مع صحيفة لوموند الفرنسية أن الديمقراطية الليبرالية تفترض أن الدماغ البشري أشبه بصندوق أسود مليء بالرغبات والأفكار. ويتخذ البريكست كمثال للتوضيح، قائلا “هذا النظام يفترض أن الناخب يعرف ما يفعله. نقرّر خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي لأننا نعطي قيمة عالية لشعور الناخب البريطاني. ولا أحد يشكّك في مصداقيّة هذا الشعور. ومع ذلك، تنشأ الأزمة الحالية من حقيقة أن لدينا تقنيات لقرصنة الناس، وليس فقط أجهزة الهاتف أو أجهزة الكومبيوتر المحمول. الثورة هي أنه يمكننا أن نفهم رغباتك، مشاعرك وأفكارك ومن ثم نحكم السيطرة عليك”. ويربط هنا بين تأثير الأخبار والإعلانات والمعلومات والبيانات الضخمة المتدفقة عبر الشبكة العنكبوتية، وطريقة التأثير في ذلك الصندوق الأسود (الدماغ)، مشيرا إلى أن الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لفهم الناس بشكل أفضل وبالتالي التلاعب بهم. ويستطرد موضحا أنه يمكن خلق شبكة مناعة ضد هذه القرصنة من خلال استخدام التقنيات نفسها للسماح للناس بفهم بعضهم البعض بشكل أفضل. ويقول “نحن عرضة للخطر اليوم لأننا لا ندرك ضعفنا. ولهذا السبب يجب أن نبدأ بالتخلي عن وهم الإرادة الحرة الكاملة”. إرادة حرة في كتابه “هومو ديوس” يقول هراري “إن العلم يثبت أن البشر ليست لديهم إرادة حرة، ولكن الخوارزميات البيولوجية هي التي توجههم. وإن قراراتنا ليست نتيجة لعملية عقلانية، حتى إذا كنا نعتقد ذلك”، وحول ما قاله في كتب أخرى عن كيفية جعل الناس يفكرون في المستقبل، وأن تكون لديهم القدرة على اتخاذ القرارات بصورة أفضل في العالم الذي يرغبون في العيش فيه، يفسر هراري ذلك قائلا إن “البشر لديهم إرادة، وهي ليست حرة. فأنت لا يمكنك اختيار ما ترغب في الحصول عليه. ومن المؤكد أن البشر يتخذون خيارات، ولكن هذه الخيارات ليست مستقلة بذاتها، فكل خيار يعتمد على الكثير من الظروف البيولوجية والاجتماعية والشخصية، التي لا يمكنك اختيارها بإرادتك. فأنت لم تختر جيناتك ونوعك ووالديك وجيرانك وثقافتك”. ويضيف أن “الفكرة التي ترى أن البشر كائنات مستقلة تماما، تختار أفكارها ورغباتها بحرية، هي فكرة سخيفة علميا وخطيرة سياسيا”، ويوضح أنه “في القرون السابقة كان الخطر محدودا، لأنه لم تكن لدى أي حكومة أو مؤسسة المعرفة البيولوجية والقدرة الحاسوبية اللازمة للتحكم في أفكارك ورغباتك، ولكن الآن، بعض الحكومات والمؤسسات تكتسب القدرة على الاختراق والتلاعب بالآخرين، وأسهل من يمكن التلاعب بهم، هم أولئك الذين يعتقدون أنه لا يمكن التلاعب بهم، لأن لديهم ‘إرادة حرة’”. وعما إذا كان ذلك يمثل تحذيرا، قال إنه يحاول “تنبيه البشر إلى حقيقة أنهم حيوانات قابلة للاختراق، ولأنهم ليسوا كائنات مستقلة تماما، يمكنني محاولة التأثير في قراراتهم”. ويضيف أن “بعض القرارات تسبب الكثير من المعاناة، في حين أن القرارات الأخرى تساعد في منع المعاناة. أما السؤال الكبير بالنسبة لي، فهو كيفية تحرير أنفسنا من المعاناة، إن أحد الشروط المهمة جدا لتجنب المعاناة، هو الهروب من الأوهام التي تستولي علينا بشأن أنفسنا، والتي تشمل الوهم بأن رغباتنا تعكس ‘إرادة حرة’”. ويوضح أنه ”من الممكن أن يساعد إدراك ذلك في أن نصبح أقل انشغالا بشأن رغباتنا. ويعطي البشر أهمية كبيرة لرغباتهم، ويحاولون السيطرة على العالم بأسره وصياغته وفقا لتلك الرغبات. إذا كنت تفهم أن رغباتك ليست نتيجة اختيار حر، فمن المأمول فيه أن تكون أقل انشغالا بها. إذا فهمنا أنفسنا ورغباتنا كما هي حقا، فسيجعل ذلك العالم مكانا أفضل بكثير مما لو كنا نحاول تحقيق أي رغبة تطرأ على أذهاننا فقط”. ويؤكد هراري “ما نعتقد أنه أكثر مشاعرنا أصالة يمكن أن يكون نتيجة للتلاعب الخارجي. لا يمكننا الوثوق في أنفسنا كليا. كانت لدينا تعويذة في القرن العشرين: ‘ثق بنفسك، اتبع قلبك’. لكن قلبك يمكن أن يكون عميلا روسيا! هذا لا يعني أنك لا تستطيع أن تثق في أحد. لكن يجب أن ندرك أننا عرضة للتلاعب”. شكل جديد للبشر يوفال نوح هراري قام بتسجيل تاريخ البشرية في كتابه {العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري}، ثم تبعه بتأملات مثيرة للتفكير حول مستقبل البشرية في كتابه {هومو ديوس}، الذي تُرجم إلى حوالي 15 لغة، لم تكن بينها اللغة العربية. وفي كتابه الأخير {21 درسا للقرن الحادي والعشرين}، يقدم هراري قراءة لما يحدث الآن في العالم ويحاول معرفة تأثير ذلك على البشرية على امتداد بقية هذا القرنيوفال نوح هراري قام بتسجيل تاريخ البشرية في كتابه "العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري"، ثم تبعه بتأملات مثيرة للتفكير حول مستقبل البشرية في كتابه {هومو ديوس}، الذي تُرجم إلى حوالي 15 لغة، لم تكن بينها اللغة العربية. وفي كتابه الأخير {21 درسا للقرن الحادي والعشرين}، يقدم هراري قراءة لما يحدث الآن في العالم ويحاول معرفة تأثير ذلك على البشرية على امتداد بقية هذا القرن يفترض أن الذكاء الاصطناعي سوف يصل إلى حده الأقصى بحلول عام 2025، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة. نحن لا نقترب حتى من القدرة الكاملة للذكاء الاصطناعي. هو فقط يُسرع في تطوره، إلى درجة أن بعض التغييرات الضخمة ستحدث في هذا المجال بحلول عام 2025. لكن ستشهد البشرية تغييرات أكبر بكثير في عام 2035 على سبيل المثال، وحتى تغييرات أكبر في عام 2045، وسيتعين على الناس حينها إعادة ضبط أمور حياتهم ومعيشتهم بناءا على ذلك. وتنبأ هراري بأنه من الممكن أن يؤدي دمج التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي إلى شكل جديد آلي من البشر، أو إنسان شبه مبرمج، وأنه من الممكن أن تتم معالجة بعض البشر بمخلوقات أكثر تعقيدا، كما نعالج بعض الحيوانات اليوم، لكن كيف يمكن وقف هذا التطور؟ يجيب هراري على ذلك قائلا ”نحتاج إلى فهم أفضل بكثير للعقل البشري. من المرجح أن تستخدم الحكومات والمؤسسات والجيوش التكنولوجيا لتعزيز المهارات التي تحتاجها، مع إهمال احتياجات البشر الأخرى والإمكانيات البشرية المجهولة”. ويضيف “على سبيل المثال، من المحتمل أن تشجع الحكومات والمؤسسات على تطوير الذكاء والانضباط، مع الاهتمام قليلا بتنمية الروحانية، والتعاطف مع الآخرين والشعور بما يمرّون به. وستكون النتيجة عندئذ بشرا يتمتعون بقدر كبير جدا من الذكاء والانضباط، ويفتقرون إلى التعاطف والعمق الروحي”. ولتوضيح ذلك قال هراري “قمنا بتطبيق ذلك مع الأبقار، بتربية أبقار تتسم بالهدوء، تنتج كميات هائلة من الحليب، ولكنها أقل نشاطا من أسلافها البرية”. ويمضي قائلا ”إننا نقوم حاليا بخلق بشر يعملون كشرائح فعالة في آلية ضخمة لمعالجة البيانات… في الواقع، من الممكن أن نفقد جزءا كبيرا من إمكاناتنا البشرية دون أن ندرك حتى أنها لدينا. ولتجنب ذلك، نحن بحاجة إلى الاستثمار في استكشاف وتطوير العقل البشري، وذلك بقدر ما نستثمر في استكشاف وتطوير التقنيات الجديدة، على الأقل”. ثلاث أخطار يرى هراري أن البشرية تواجه أزمة وجودية بسبب ثلاث مشكلات متداخلة: الحرب النووية والاضطراب التكنولوجي، وأيضا تغير المناخ. ويقول هراري في هذا السياق إن “أزمة البيئة ليست سوى واحدة من ثلاثة أخطار كبيرة تواجهها البشرية حاليا، وهي تغير المناخ، والحرب النووية، والفوضى التكنولوجية. حتى لو نجحنا في منع تغير المناخ والحرب النووية، فإن الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية من شأنهما تعطيل سوق العمل والنظام العالمي، وحتى أجسادنا وعقولنا”. تبين أفكار هراري أنه يميل إلى العولمة باعتبارها النظام الأفضل لتأمين مستقبل البشرية، حيث يرى أنه “على البشر العمل معا لحماية قيمهم وتعزيز مصالحهم المشتركة. وتعد أفضل طريقة لتعزيز هذا التعاون هي تسهيل حركة الأفكار والسلع والأموال والأشخاص في جميع أنحاء العالم”. تتعارض هذه الفكرة مع توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتوجه إليه هراري محذرا إياه من أن “الوطنية” (بمعنى الانغلاق) لا يمكنها أن تحل التهديدات العالمية وتبعد الأخطار عن الولايات المتحدة الأميركية. ويؤكد بقوله “لا يمكنك بناء جدار ضد الشتاء النووي أو ضد الاحترار العالمي ولا يمكنك تنظيم الذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيا الحيوية على أساس وطني”. ويضيف “ما سيحدث بالفعل ليس حتميا، فهو يعتمد على قراراتنا. ولكن لمنع أسوأ النتائج، نحتاج إلى تعاون عالمي. فليس من الممكن أن تقوم أي دولة بمفردها بحل واحدة من هذه المشكلات”. ويشدد على أن “الاستقلال مجرد خيال. لكن لم تعد هناك أي دولة مستقلة في العالم. لا يهم ما هو مكتوب في بعض الوثائق”. ويبرر هذا الموقف نظرة هراري القاتمة من عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي وصفها بأنها “في الأساس تشويش. لا أعتقد أنها بطبيعتها فكرة سيئة… لكن التوقيت رهيب… إذا انشق الاتحاد الأوروبي إلى 28 دولة مختلفة، فسيكون من الصعب للغاية التفاوض على اتفاقيات المناخ، ووجود جبهة مشتركة ضد عمالقة التكنولوجيا. كل دقيقة تنفق فيها معاهد المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على بريكست تأتي على حساب القضايا الوجودية”.

مشاركة :