العراقيون الإيزيديون.. اعتراف دولي ولو متأخر

  • 10/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تُعد الإيزيدية إحدى ديانات العراق الرئيسية، وعندما نقول رئيسية فمعنى ذلك أنها لم تتحول من مذهب أو تنشق من ديانة أُخرى، مثلما حاول عدد مِن الكُتاب، الأولين والمتأخرين، القول بأنها انحراف عن ديانة الإسلام، وآخرون اعتبروها انحرافا عن المسيحية، وهذا ما تعرضت له الديانة الصابئية المندائية، ومع اختلاف الآراء فيها، إلا أنها تُعد بطقوسها ووجودها العام مِن ديانات العراق الحيَّة، اتخذت مِن سنجار والشيخان وقصبات أُخرى من العراق داراً لها، حيث معبدها الرئيس “لالش” يقع في وادٍ مِن وديان شيخان، ويعتبر الإيزيديون في أدبهم المنقول والمكتوب أنها أرض ذلك المعبد “خمير الأرض”، وهم كبقية الأديان يعتبرون أنفسهم أصحاب الديانة الحق، لهم أعيادهم وصلواتهم وتقاليدهم الدينية، وتراتبهم الاجتماعي، لهم أمراء وشيوخ دين (أمير شيخان) و(بابا شيخ). تعرض الإيزيديون منذ زمن بعيد إلى اضطهادات جمة، بسبب ديانتهم، وعلى وجه الخصوص في العهد العثماني، حتى وصل الحال إلى تخريب معبدهم المقدس لالش، وتحويله إلى مدرسة إسلامية، وصدرت فتاوى لإبادتهم. لم يجر ذلك بسبب اختلاف الديانة، وإنما له علاقة بطبيعتهم الدينية، والتي تُحرم على الإيزيدي أن يؤدي طقوسه أمام الغرباء، وبهذا المنطق أجبروا على التجنيد الإجباري، أو ما عُرف بالسفر برلك (النفير العام العثماني)، ثم مشاكلهم العديدة مع الحكم العراقي، فالجبال والوديان تُغري بالعصيان. أكثر ما يؤلم الإيزيديين أنهم تعرضوا إلى تنكيل ثقافي، إن صحت العبارة، وذلك بتكريس الاسم “يزيديون” على أنه ارتباط بيزيد بن معاوية، المتوفى سنة 64 هـ، وعلى أنهم عبدة الشيطان، مع أن فكرتهم عن الشيطان، أو إبليس، خاصة، ربما العديد من الصوفيين قد مارسوها، فهم لا صلة أصلا لهم بيزيد ولا عبادتهم للشيطان، إنما من ناحية العبادة يعبدون الله، والاسم منحوت من إزيدا، أي الله، وهم إيزيديون أي الإلهيون، وتلك قصة طويلة. في الوقت الذي لم تعترف الدولة العثمانية حتى خروجها من العِراق (1918) بهم، ولا بالصابئة ولا بالبهائية، اعترفت الدولة العراقية الحديثة بالأديان كافة، وخُص الإيزيديون بفصل من فصول الدليل العراقي لسنة 1936، ولهم ما عليهم كباقي الديانات، غير أن الموقف الاجتماعي منهم ظل مسلوباً فكرة أنهم يعبدون الشيطان واسمهم منحوت من يزيد بن معاوية، بينما لو كان الأمر أنهم “أمويون” مثلما طُرح الموضوع على أساس قومي، لتأكيد عروبتهم، لكان الأنسب أن يُنسبوا لمعاوية لا ليزيد. غير أن أقسى ما عانى منه الإيزيديون، في العقد ونصف العقد الماضيين، هو تعرضهم لهجمات إرهابية منظمة ومستمرة، راح ضحيتها الآلاف منهم، بين قتيل وجريح وأسير، وتعرضت النساء إلى الاغتصاب والأسر والبيع في أسواق النخاسة الحديثة، ففي واحدة من الهجمات دمرت قريتان وما فيها، وهما من القرى ذات الكثافة الإيزيدية، أما جريمة العصر فحصلت بعد اجتياح الموصل (يونيو 2014) مِن قبل جماعة داعش، حيث دمرت سنجار وما فيها، وسط دهشة العالم لما يجري من تنكيل بهم على أساس الاضطهاد الديني. نقلت ابنتهم الناشطة المدنية نادية مراد مأساة قومها إلى العالم، بعد لقاءات توفرت لها مع رؤساء دول، وتوج نشاطها بالحصول على جائزة نوبل للسلام (مناصفة)، ولنا النظر إلى هذه الجائزة كرد اعتبار لنادية نفسها، والتي تعرضت للاغتصاب والبيع، ورد اعتبار لديانتها وقومها، الذين ضاقت بهم الملاجئ، حتى تحولت كثافتهم من العراق إلى بلدان الغرب، وعلى وجه الخصوص ألمانيا. لقد هزت مآسي الإيزيديين العالم، عندما مورست ضدهم تقاليد الحروب الدينية، والتي كانت تحصل قبل ألف عام ويزيد، الاستيلاء على البيت وأخذ النساء والأطفال أسرى، والعالم يعيش التطور العلمي والحضاري في القرن الواحد والعشرين. كانت الجائزة اعترافا دوليا صادقا، ولكنه متأخر.

مشاركة :