صدر عن مكتبة الإسكندرية كتاب بعنوان «تراث سمبليكيوس الفلسفي وأثره في ميتافيزيقا ابن سينا»، للباحث المتميز الدكتور حسين الزهري، الكتاب من تصدير الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، ومن تقديم الدكتور مدحت عيسى، مدير مركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية. يشير الكتاب إلى أنه ظهر عداء المسيحية للوثنيين مع التبشير بالمسيح في كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وقوبل ذلك بالمقاومة من أجل الانتصار للفلاسفة، مثل محاولة الإمبراطور والفيلسوف يوليان المرتد إعادة إحياء الديانة الوثنية في الإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي لكنه فشل، وأصبحت المسيحية الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية على يد الإمبراطور ثيودوسيوس الأول. وتلقت الوثنية ضربة أخرى في القرن الخامس الميلادي بقتل هيباتيا سنة 415 م بعد اتهامها بممارسة السحر. وبلغت معاداة الوثنيين أَوْجَهَا في القرن السادس الميلادي برفض رجال الدين المسيحي الفلسفة الميتافيزيقية التي كانت تُدَرَّسُ في مدرسة أثينا، وأقنعوا الإمبراطور جستنيان بخطورة الفلاسفة، خاصةً في ممارستهم الكهانة، فأصدر أمراً ملكياً بإغلاق المدارس الفلسفية في أثينا سنة 529م، ولكن لم تنتهِ الفلسفة بذلك، واستمر تدريسها في الإسكندرية طوال القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي. وكانت مدرستا الفلسفة في أثينا والإسكندرية أشهر مدارس الفلسفة في نهاية العصر القديم، وقد اختلفت المنطلقات الفلسفية للمدرستين، ففي حين اتبعت مدرسة أثينا الفلسفة الأفلاطونية التي قال بها يامبليخوس في القرن الرابع الميلادي، ركزت الإسكندرية جهدها في شرح فلسفة أرسطو، واتخذت منهجاً في دراسة الفلسفة الأفلاطونية يرجع إلى الأفلاطونية الوسطى. وقد انتُقد القول باختلاف المنهجين اعتماداً على أدلة كثيرة منها العلاقات التي كانت تربط بين أساتذة وتلاميذ المدرستين، والتي وصلت إلى روابط عائلية في بعض الأحيان، كما أن تجنب السكندريين وثنية يامبليخوس كان لأسباب سياسية وليس لخلاف بين الفلسفتين. وقد اندمجت أفكار أرسطو ومؤلفاته في المنهج التعليمي الأفلاطوني في زمن الإمبراطورية الرومانية، فكان التراث الأرسطي موجوداً في منهج أفلوطين التعليمي في مدرسته الفلسفية في روما، ثم في شروح فورفوريوس، ثم في المنهج الأفلاطوني ليامبليخيوس، ثم في المناهج التعليمية للمدرستين الأثينية والسكندرية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. ويُعد تناول شُرَّاح أرسطو المتأخرين في مدرستي أثينا والإسكندرية بالتحقيق والدراسة من أهم الأحداث المعاصرة في دراسة الفلسفة الإسلامية. وقد كان محرك الباحثين في العصر الحديث في إخراج وترجمة أعمال هؤلاء الشراح اليونانيين من اليونانية إلى الإنكليزية، هو فهمٌ أدق وأشمل لفلسفة المتقدمين، خاصةً أرسطو، لكن ما حدث هو اكتشاف هؤلاء الشراح كفلاسفة مستقلين، وتبين أن شروحهم تمثل إضافةً أصيلة في تاريخ الفلسفة، ولفلسفتهم تأثيرها في الفلسفات اللاحقة لهم. ويُعد الشارح سمبليكيوس (480- 560م) من أهم الأمثلة على تعقب الوثنية من السلطات المسيحية، وتشير شروحه الأرسطية إلى الموقف الصعب الذي تعرضت له الوثنية في أثينا في نهاية العصر الكلاسيكي، وهي الشروح التي كتبها في المنفى، والذي مال البعض إلى كونه بلاد فارس، واعتقد آخرون في مدينة حران محلاً لاستقراره وكتابة شروحه بعد مغادرته بلاط كسرى. وتُمثل دراسة حياة سمبليكيوس وفلسفته أهمية كبيرة لدارسي تاريخ الفلسفة القديمة، لأنها تصور المرحلة الأخيرة للفلسفة اليونانية، كما يُعد سمبليكيوس من أهم شراح فلسفة أرسطو في نهاية العصر القديم، وهي الشروح التي ضمنها كل العلم والفلسفة اليونانية القديمة، ولم تقتصر على الفهم الكامل لفلسفة أرسطو، بل أعطت الفرصة لإعادة بناء تاريخ الانتقادات والشروح التي تمت إلى فلسفة أرسطو في العصر القديم. وقد عرف الباحثون في تاريخ الفلسفة اسم سمبليكيوس لسببين، أولهما: أن شروحه حفظت الكثير من التراث الفلسفي القديم، خاصةً لفلاسفة ما قبل سقراط، وثانيهما: كونه أحد الأفلاطونيين السبعة الذين اختاروا مغادرة الإمبراطورية الرومانية قاصدين بلاد فارس بعد أمر الإمبراطور جستنيان سنة 531م بحظر تعليمهم الفلسفي، ومنعهم من أن يعيشوا بحرية وفقاً لمعتقداتهم الفلسفية. وقد وصلتنا عدة شروح كتبها سمبليكيوس في أكثر من ثلاثة آلاف ورقة، وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه لم يلقَ الاهتمام البحثي الأكاديمي الذي يستحقه، بل انتقده بعض الباحثين واصفين فكره بالتقليدي وناقص الأصالة. وعدَّ بعض الباحثين المعاصرين الشروح الفلسفية السكندرية المتأخرة، خاصةً التي فسروا فيها مؤلفات أرسطو للمبتدئين في دراسة الفلسفة قليلة القيمة، ما أدى إلى قلة الاهتمام بالتراث الفلسفي الذي نقله وأبدعه هؤلاء الشراح. ولم يهتم الباحثون إلا أخيراً بدراسة وفهم آراء هؤلاء الشراح ومنهم سمبليكيوس، والذي اقتصر النظر في دوره حتى نهاية القرن التاسع كمجرد وسيطٍ ومصدرٍ للفلسفة والعلوم اليونانية القديمة وحافظٍ لها، وهو ما غطى على إسهاماته كشارحٍ أصيل ومستقل لفلسفة أرسطو. وهو أيضاً ما أصبح من العوامل التي ساعدت في التأكيد على الرأي الذي كان سائداً حتى العصر الحديث بأن الأفلاطونيةَ المتأخرة، أو ما يُطلق عليه حديثاً «الأفلاطونية المحدثة» ما كانت إلا صورة غريبة وتابعة للفلسفات السابقة عليها، وأنها لم تكن لترقى إلى ما أنتجه اليونانيون بعد أفلاطون وأرسطو. وهو ما أثبتت الدراسات والتحقيقات الحديثة تهافته، وشهدت الدراسات الكلاسيكية في العقود الثلاثة الأخيرة تقدماً كبيراً في دراسة حياة سمبليكيوس وإسهاماته الفكرية، وانتهت إلى أن شروحاته تستحق مكانة متميزة في تاريخ الفلسفتين الأفلاطونية والأرسطية. يؤكد ذلك ما انتهى إليه بعض المعاصرين، فقال «كرستيان وايلدبيرج» في خاتمة بحثه عن «سمبليكيوس» في «دائرة معارف راوتلدج للفلسفة»: «إن طالب الفلسفة الأرسطية، ودارس تاريخ الفلسفة اليونانية لا يمكنهما الاستغناء في الوقت الحاضر عن شروح سمبليكيوس على أرسطو». وأشار هان بالتوسين في كتابه المهم (الفلسفة والشرح عند سمبليكيوس: منهجية شارح) إلى أهمية فلسفة سمبليكيوس، وأنه كان فيلسوفاً معقد الفكر، كتب شروحه هادفاً التأسيس لفكرٍ محدد، وأن هناك ثلاثة مؤثرات شكلت كتابته لشروحه، وهي مؤثرات فلسفية، وروحية، والأحداث السياسية في عصره خاصة في العقدين الثاني والثالث من القرن السادس الميلادي. ولكي نفهم منهجه في الشرح لا بُدَّ أن نقرأ شروحه بعد معرفتنا بالجو الدراسي الذي تعلم فيه، وهدفه من كتابة تلك الشروح، فهناك سياق ثقافي محدد كتب فيه سمبليكيوس شروحه، وهو ما حدد طريقة استخدامه أفكار الفلاسفة السابقين عليه، وطريقة صياغة أفكاره الفلسفية. وقد عمل سمبليكيوس مثل أفلوطين، ويامبليخوس، وبرقلس قبله على دمج أفكار الأرسطية والرواقية والفيثاغورية بالفلسفة الأفلاطونية، وتخطى سابقيه بمحاولته توفيق كل التراث الفلسفي اليوناني مع بعضه البعض، هادفاً من ذلك التصدي للهجوم الممنهج الذي قامت به المسيحية في زمنه ضد الفلسفة الوثنية بتأكيدها الخلاف الفكري بين الفلاسفة، ما يدل على تناقض وضعف الدين الوثني، مما دعا سمبليكيوس إلى الإحساس بالتهديد الكبير الذي تواجهه الأفلاطونية أو الفلسفة في زمنه، فكتب شروحه لدعم الوثنية في صورة كتب مدرسية يتعلم منها الطالب الفلسفة اليونانية حتى من دون أستاذ يعمل على نقل تلك الأفكار لتلاميذه في المدرسة ومن خلال الدرس الفلسفي. وقد غضب سمبليكيوس وثار بشدة على مؤلفات معاصره «يحيى النحوي» التي انتقد فيها فلسفة أرسطو، وردَّ عليها رداً مفصلاً، واستخف وقلل من النحوي بصورة كبيرة، واتهمه بالحمق والجهل، وعمل على إظهار وحدة وقوة الفكر اليوناني كله، وتوافق كل فلاسفته، خاصةً فلاسفة ما قبل سقراط وأفلاطون وأرسطو، وحتى الرواقية التي كان سمبليكيوس ينتقد ماديتها، فكتب شرحاً على كتاب إيبيكتيتوس الرواقي، وعدَّه مقدمة لعلم الأخلاق، ووفقه مع فكر الأفلاطونية المحدثة. وقد عمل سمبليكيوس على تفسير فلسفة أرسطو تفسيراً أفلاطونياً، فنجده على سبيل المثال يُظهر أرسطو معتقداً بإلهٍ خالقٍ، وهو ما لم يُعرف ولا يُفهم من مؤلفات المعلم الأول، بل جعل أرسطو يعتقد في أزلية النفس. واشتغل على إظهار فكر أرسطو متسقاً في كل مؤلفاته، كما استخدم فلسفة أرسطو لإضافة آرائه الفلسفية الجديدة. وقدم سمبليكيوس تفسيراً جديداً لفلسفة أفلاطون، جعله موافقاً أرسطو في كل أفكاره، فأصبح أفلاطون في شروح سمبليكيوس أرسطياً، وأرسطو أفلاطونياً، وما كان اختلافهم إلا في الألفاظ والعبارات والمنهج الذي نظر من خلاله كل فيلسوف إلى العالم. وقد عمل الأفلاطونيون المتأخرون من وثنيين ومسيحيين في مدرسة الإسكندرية على التوفيق بين أفلاطون وأرسطو، لكنهم كتبوا شروحاً على أرسطو أكثر من شروحهم على أفلاطون، وركزت شروحهم الأرسطية في شرح منطق أرسطو، خاصةً كتاب «المقولات» أكثر من شرح مؤلفاته الأكثر تعقيداً كالميتافيزيقا، ويظهر على الشروح السكندرية مسحة دينية أفلاطونية في تفسيرهم نصوص المعلم الأول، وعدوا الفلسفة علماً يستعد به الإنسان للموت، واعتقدوا في تطهير النفس استعداداً لأزليتها. وقد تُرجمت الفلسفة اليونانية الكلاسيكية إلى اللغة العربية ممثلة في عديد من مؤلفات أفلاطون وأرسطو، وأجزاء من الفلسفة الطبيعية التي كتبها فلاسفة ما قبل سقراط، وأفكار المدارس الفلسفية التي تلت الفيلسوفين الكبيرين من رواقية وأبيقورية وشكية وغيرها، وعرف العرب مؤلفات جالينوس والإسكندر وأفلوطين، سواء بصورة مباشرة، أو من خلال نسبة أفكارهم، وفي بعض الأحيان مؤلفاتهم إلى غيرهم من الفلاسفة، وتُرجمت إلى العربية عديدٌ من الشروح التي كتبها الشراح المتأخرون في مدرستي أثينا والإسكندرية، ومنها شروح سمبليكيوس. وفي بعض الأحيان كانت شروح المتأخرين من اليونانيين ذات أهمية أكبر من النص الأصلي نفسه عند العرب، وذلك لما تحمله هذه الشروح من معلومات وفيرة، فنجد على سبيل المثال أنه في حين تُرجم منطق أرسطو إلى العربية فإن العرب فضلوا التعامل مع الشروح عليه أكثر من النص الأصلي ذاته، وينطبق هذا بصفة عامة على أعمال أرسطو كلها، والتي –بغض النظر عن كتابي «السياسة» و «الأخلاق»- عرفها العرب جيداً، وذلك لأن النصوص الفلسفية والمنطقية للفلاسفة الكبار غالباً ما كانت صعبة على الفهم، وهو ما جعل التعليقات والشروح عليها أكثر رواجاً لدى الأجيال التالية. والأمر مختلف فيما يتعلق بالعلوم الدقيقة كالرياضيات، حيث يكتسب النصُ الأصلي فيها أهمية، ولا يمكن الاستغناء عنه. وهنا سادت الترجمة الحرفية للنصوص العلمية في اللغة العربية، لتتلوها بعد ذلك عمليات إصلاح وشروح وتعليقات عدة قام بها العرب أنفسهم. وتحتوي المصادر العربية على خلط كبير بين أسماء السكندريين وعصورهم وما نُسب إليهم من أعمال، فمثلاً انتشر اسم سمبليكيوس وشروحه في التراث الإسلامي مع غموض في معرفة المسلمين بشخصه وفلسفته، بل كان للعرب تصورٌ مغاير عن غيرهم حول سمبليكيوس، فعدُّوه طبيباً، ونسبوا له مؤلفات طبية، لم يذكرها له غيرهم. واستخدموا أفكاره في بعض الأحيان دون الإشارة إليه كمصدرٍ لها، وهو ما فعله المسلمون مع غالبية الشراح المتأخرين، وقد يكون السبب في ذلك قصور معرفتهم بهؤلاء الفلاسفة، لقلة ما ترجم لهم من مؤلفات، وقد يكون لطغيان شهرة أفلاطون وأرسطو على غيرهم ممن كتبوا باليونانية، فكان ذلك سبباً لاختلاط معرفتهم بهؤلاء المتأخرين من الشراح. وكما كان للفلاسفة المسلمين وعلماء الكلام والصوفية إلى زمن ابن سينا (ت 428 هـ) أثرُهم الواضح في فكر الشيخ الرئيس، وكان لأرسطو وأفلاطون وأفلوطين أفكارهم الفلسفية التي تأثر بها ابن سينا وضمنها فلسفته، أحاول في هذا الكتاب الوقوف على أثر الشراح اليونانيين المتأخرين، خاصةً سمبليكيوس في فلسفة ابن سينا، خاصةً في شرحه فلسفة أرسطو. وإذا كانت الشروح الفلسفية المتأخرة-خاصةً التي كتبت في مدرسة الإسكندرية- تمثل الشكل النهائي الذي عرف المسلمون عليه الفلسفة اليونانية القديمة، وكان ابن سينا الفيلسوف بحق في الحضارة الإسلامية، فلا بُدَّ وأنه قرأ الشروح المتأخرة، وقد أكد عددٌ من التراجمة القدماء على ذلك، وذكروا في تراجمهم أن ابن سينا قرأ نصوص الفلاسفة الكبار، وقرأ الشروح التي كتبت عليها، ونعمل في هذا الكتاب على دراسة استمرار منهج وفكر الشراح المتأخرين في فلسفة الشيخ الرئيس، وكيف نظر بعد تأثره بهؤلاء الشراح ومنهم سمبليكيوس إلى فلسفة أرسطو. وهذا هو الكتاب الثاني الذي يدرس فيه الدكتور حسين الزهري فيه أعلام الشراح المتأخرين ممن تَعَلَّم الفلسفة في مدرسة الإسكندرية، تمهيداً لتتبع معرفة المسلمين بفكره، كجزءٍ من تراث مدرسة الإسكندرية المتأخرة، ودراسة تأثيره في الفكر الإسلامي، وقد خص هذا الكتاب تحديداً لبيان أثر الفلسفة الأرسطية الأفلوطينية المتأخرة التي قدمها سمبليكيوس في شروحه على أرسطو في الفلاسفة المسلمين، خاصةً ابن سينا. كما درس معرفة المسلمين بشخص سمبليكيوس وشروحه، والطرق التي عرفه المسلمون من خلالها، وأفكاره التي انتشرت في العالم الإسلامي. وذاك ما هو إلا تمثيلٌ لتفاعل الحضارتين اليونانية خاصةً في فترتها الأخيرة وبين الحضارة الإسلامية، وتحقيقٌ لكيفية استخدام ابن سينا ما انتهى إليه الشراح المتأخرون في كتابة الفلسفة الإسلامية. وقد وقد قسم المؤلف الكتاب إلى أربعة فصول ومقدمة وخاتمة، أشار في المقدمة إلى موضوع الكتاب والغرض منه وأهميته، ثم قدم حصراً مختصراً لفصول الكتاب. وتناول في الفصل الأول الذي عنونه بـ «سمبليكيوس الشارح الأرسطي في نهاية العصر الكلاسيكي» حياة سمبليكيوس ودراسته في الإسكندرية، وانتقاله للدراسة في أثينا على يد الفيلسوف الدمشقي، ورحلته الشهيرة هو وستة من زملائه الفلاسفة إلى بلاد فارس، وتناول بشيء من التفصيل حقيقة استقراره في مدينة حران بعد مغادرته بلاد فارس، ثم درس الشرح الفلسفي ومنهجه عند سمبليكيوس، ومصادره التي اعتمد عليها في كتابة فلسفته، ثم تناول بالتفصيل مؤلفاته، والتي كتبها كلها في صورة الشروح، وهي شرحه على كتابات أرسطو «في السماء»، و «الطبيعة»، و «المقولات»، و «النفس»، وشرحه على «كتاب الدليل» لإيبيكتيتوس الرواقي. وعنون الدكتور حسين الزهري الفصل الثاني بـ «فلسفة سمبليكيوس» وتناول فيه جوانب فلسفة سمبليكيوس المختلفة، مثل: منهجه في التوفيق بين فلسفتي أفلاطون وأسطو، وفلسفته الأخلاقية، ومكانة المنطق في فلسفته وفي دراسة الفلسفة في نهاية العصر الكلاسيكي، ودرس بالتفصيل فلسفة الطبيعة في شروح سمبليكيوس، ممثلةً في آرائه في المكان والخلاء والهيولي وأزلية الزمان والحركة والسماء، وناقش اعتقاده في الله كعلة فاعلة في إيجاد الموجودات، بالإضافة إلى عدِّه الخير أو الله علة غائية لمخلوقاته، ثم أشار إلى أصالة سمبليكيوس كشارحٍ للتراث الأرسطي في أواخر العصر الكلاسيكي. وأما الفصل الثالث والذي أعطى الدكتور حسين له اسم «انتقال فلسفة سمبليكيوس ومعرفته في العالم الإسلامي»، ودرس فيه انتقال شروح سمبليكيوس وتراث الأفلاطونية المحدثة المتأخرة إلى العالم الإسلامي، وفصَّل القول في ذكر مؤلفاته وآرائه في كتب التراجم العربية القديمة خاصةً النديم وابن القفطي وابن أبي أصيبعة، ثم تتبع ذكر سمبليكيوس في المؤلفات العربية الحديثة والمعاصرة. وأخيراً تناول في الفصل الرابع، والذي عنونه بـ «أثر فلسفة سمبليكيوس في فلسفة ابن سينا» أثر الشروح المنطقية التي كتبها شُراح أواخر العصر الكلاسيكي في المنطق الإسلامي، ثم تناول تأثير أفكار سمبليكيوس في التراث الفلسفي الإسلامي قبل ابن سينا، وأعقبه بدراسة أثر فلسفة سمبليكيوس في فلسفة ابن سينا. وأنهى الكتاب بخاتمة قدم فيها أهم النتائج التي توصل إليها من دراسة أثر فلسفة سمبليكيوس ومنهجه في التراث الفلسفي الإسلامي، خاصةً في فكر ابن سينا. وأشار المؤلف بأنه ينشد من هذه السلسة من الكتابات التنوير على منطقة ما زالت مظلمة، خاصةً لنا نحن –الباحثين- العرب في تاريخ الحالة الفلسفية والعلمية في أواخر العصر اليوناني الروماني، وتحديداً في المناطق الهللينية لحوض البحر الأبيض المتوسط، والتي جاء إليها المسلمون وسيطروا عليها، وتفاعلوا مع دياناتها وفلسفاتها بالتحليل والنقاش والدفاع ليؤسسوا فكرهم الجديد، وتذكر لنا عديدٌ من المصادر العربية القديمة انتقال فكر تلك المدرسة السكندرية ومنهجها في التعليم الفلسفي عن طريق المدارس المسيحية السريانية إلى العرب، فذكر التراجمة والفلاسفة العرب عديداً من أعمال فلاسفة وشراح مدرسة الإسكندرية المتأخرة، إلا أن زمنهم وحياتهم وفلسفاتهم بقيت غامضة، فلزم علينا خاصةً بعد الاكتشافات الأثرية والحفرية المعاصرة لمدرسة الإسكندرية المتأخرة أن نحاول إزالة الالتباس عما أنتجته من فلسفة وعلوم، لتتبع تأثيرها في الحضارة الإسلامية، ولتحقيق ذلك استخدمت المنهج التاريخي التحليلي في دراسة حياة سمبليكيوس وفلسفته، والمنهج النقدي المقارن للكشف عن أثر فكره في الفلسفة الإسلامية عامةً، وفي فلسفة ابن سينا بصورة خاصة.
مشاركة :