أكد الدكتور خالد غريب رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن نصر أكتوير الذي تمر اليوم الذكرى ٤٥ له، إنما يعكس مكانة الجيش المصري العظيم الذي أنشئ منذ عهد الفراعنة، على أسس الدفاع عن أرضه وبلده ولم يسع أبدا إلى الغزو أو الاعتداء على غيره.وتابع غريب، لـ "صدى البلد": حتى أن سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة حين ذكر في نصوص عهده تعبير (سوسخ تاشو نو كمت) أي يوسع حدود مصر، لم يكن يقصد منها أبدا الغزو بل كان يرغب في عمل نقاط حدودية تؤمن بلاده.وقال إنه حين مرت البلاد بمحنة الهكسوس لم ييأس صعيد مصر، وتأهب جيشها لطرد الغزاة محافظا على كرامة بلاده، وتأهب سقنن رع ومن بعده كامس لحرب هؤلاء الأجانب الذين استقروا في دلتا مصر، حتى تحررت مصر كاملة وأسست الفرق الأساسية في جيشها العظيم وتمكنت من الهيمنة على العالم، حتى أن تحتمس الأول ومن بعده أعظم الملوك المحاربين حفيدة تحتمس الثالث، ذكرى في لوحة جبل البرقل، أن حدود مصر من الجندل الرابع إلى المياه المعكوسة، ولنا في تحتمس الثالث عبقرية الحرب مدرسة في مجدو (تل المسلم شمال شرق جبل الكرمة شمال فلسطين).وأوضح غريب أن تحتمس الثالث حين خرج مع جيشه وتشاور معهم، ويذكر النص المصري تعبيرا رائعا حين قال إن الملك أخذ كرسيه وجلس أمام خيمته مستمعا لجنوده، وباغت أعدائه وانتصر عليهم انتصارا مدويا لازالت خطته تدرس في الأكاديميات العسكرية.وتابع: وحكى تحتمس عن انتصاراته في حولياته الشهيرة في الكرنك متحدثا أن هدفه حماية مصر، ثم جاء سيتي الأول اول الملوك الذين ابدعوا في تصوير حروبهم علي المعابد، ومن بعده ابنه رمسيس الثاني الذي تباهي باعماله الحربية ولا نقل انتصاراته، لأن معركة قادش مع الحيثيين لم يتحقق فيها الانتصار الكامل، وكلمات رمسيس نفسه انه في وقت كان يحارب بمفرده دليلا علي حالة ربما من الانكسار.وقال غريب إنه في العصر المتأخر كان على الجيش المصري أن يقاوم مراحل من الاستعمارات المختلفة من الآشوريين والفرس، ولنا في مقاومة الفرس مدرسة للثورة المصرية السلمية ضد العدو، والتي تحولت الي ثورة جيش تمكن معها احد الضباط وهو امون حر الثاني عام 410 قبل الميلاد من ابعاد الفرس وتأسيس الاسرة 28 الاسرة الوحيدة التي حكم فيها ملك واحد، وحين خرج عن تقاليد الكرامة العسكرية المصرية ابعده الجيش وجاء حكام مصريون من الجيش في الأسرتين 29 و30.وحين جاء الاسكندر كان عليه بسرعة تحييد الجيش المصري والاهتمام بالمزارعين وسار علي نهجه البطالمة، حتى تمكن المصريون في عهد بطلميوس الرابع من تحقيق انتصار على السلوقيين، بعد هروب الجيش البطلمي والملك نفسه من ارض المعركة، وهو ما أعاد للجيش المصري هيبته وثقته بنفسه.وتابع: ومع العصر الإسلامي ظلت مصر وجيشها هما حصن أمان للمسلمين من حطين مع صلاح الدين، إلى معركة المنصورة التي هزم فيها لويس التاسع على الرغم من أن مصر كانت تحكمها امرأة هي شجرة الدر بعد وفاة زوجها الصالح نجم الدين ايوب،ثم كان الدرس الأكبر حين هزم المصريون التتار وقضوا على وجودهم ودافعوا عن العالم الإسلامي.وحين جاء محمد علي أسس جيش مصر الحديثة، حتى أن الجيش المصري هزم الاتراك المتغطرسين الذين كانوا يعتبرون انفسهم ذو قيمة، كذلك هزمهم الجيش المصري في الزراعة عام 1832 ومعارك عكا وحمص وبيلان في نفس العام، أي تكرر الأمر اربعة مرات في عام واحد.ومن عام 1948 دخلت مصر حروب للدفاع عن القضية الفلسطينية وقاومت برجالها ونسائها انجلترا وفرنسا واسرائيل عام 1956، ثم خسر الجيش ارضه في سيناء عام 1967 ودفع الآلاف من رجاله بحياتهم للقضية العربية.لكن هيهات للجندي المصري العظيم ان يياس فكانت حرب 1973 في السادس من اكتوبر هي الدرس الذي لقنوه للعالم اجمع، ليعرف معني الجيش المصري الذي عاش ابيا في حياة صارمة، حتى أن الحكماء المصريين القدماء كانوا ينصحون الشباب أن يلتحقوا بمهنة الكاتب لأنها مهنة تجعلك تجلس في معية الملوك والكبار أما العسكرية فهي حياة خشنة ليس فيها رفاهية.ووجه غريب في النهاية التحية لكل رداء عسكري شرفنا بارتدائه تحية لأرواح شهداء مصر من سقننرع ضد الهكسوس حتى آخر جندي اغتالته يد الإرهاب الأسود، وتحية لشعب مصر العظيم.
مشاركة :