تهميش مجلس حقوق الإنسان بمصر يضعف مواجهة الانتقادات الدولية

  • 10/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة- أثار غياب مجلس حقوق الإنسان المصري (حكومي) عن الدورة الـ39 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف التي أنهت أعمالها في 28 سبتمبر الماضي، تساؤلات عدة، بعد أن فوتت الحكومة فرصة توجيه أدلة رسمية ترد على الجهات التي تنتقدها، وعدم تقديم حجج مباشرة تدحض اتهامها بانتهاك الحقوق والحريات. وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن سبب غياب المجلس ترجع إلى تجميد دوره منذ أكثر من عام، بعد أن أقر البرلمان في يونيو من العام الماضي تعديلات على قانون عمله، نصت على وجوب تشكيل مجلس جديد بعد شهر من بدء العمل بالقانون، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ما اضطر الحكومة إلى تكليف أعضاء المجلس بتسيير أعماله إلى حين تشكيل آخر، لكن هذا الوضع أصبح خاضعا لطريقة بيروقراطية أعاقت كثيرا أداء عمله بصورة طبيعية. وقال صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن المجلس الحالي أنهى فترة الأربع سنوات القانونية لعمله في شهر سبتمبر من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين توقفت تقريبا الفعاليات الدورية للمجلس، ولم يشارك أعضاؤه في جولات التفتيش على السجون المصرية، كما كان الوضع من قبل، كما أن العديد من حالات الشكاوى التي يستقبلها المجلس لا يتم التفاعل معها، وهو ما أصاب عمله بالشلل. وأكد لـ”العرب” أن غياب المجلس عن دورة حقوق الإنسان الأخيرة في جنيف يرجع إلى انتظار تشكيل المجلس الجديد في ظل عدم وجود خطة عمل مستقبلية يمكن الترويج لها، ما أضفى حالة من الارتباك تسيطر على توجهاته الحالية. ولم تنجح الحكومة في استغلال تواجد شخصيات مصرية ذات ثقل حقوقي ودولي بين أعضاء المجلس الحالي، في التعامل مع الانتقادات المستمرة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان بالداخل، واقتصر إبراز دورها في الرد على ما تصدره المنظمات الدولية من تقارير. ويترأس المجلس محمد فائق، وزير الإعلام في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ومعه 25 عضوا من الممثلين لمجالات مختلفة، من بينهم، محمود كارم سفير مصر الأسبق بالاتحاد الأوروبي وحافظ أبوسعدة عضو الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، وأحمد حجاج الأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، واليساري عبدالغفار شكر، كما يضم بعض الأسماء الحقوقية المعارضة مثل جورج إسحاق ومنال الطيبي ومحمد عبدالقدوس. ويعد هذا التشكيل الأكثر قبولا بين العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، بالمخالفة لتشكيلات سبقته منذ تأسيس المجلس في العام 2003، وهدف الرئيس السابق عدلي منصور من خلال هذا التنوع أن تكون هناك تقارير ذات مصداقية بشأن فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة (نظمتهما جماعة الإخوان في القاهرة وتم فضهما في 14 أغسطس 2013) في مقابل التقارير الدولية التي بالغت في نشر أعداد الضحايا. الحكومة المصرية فوتت على نفسها فرصة توجيه أدلة رسمية ترد على الجهات التي تنتقدها بشأن انتهاكات حقوق الانسان ويرى البعض من المراقبين أن دور المجلس الحالي شهد صعودا وهبوطا، وبدأ عمله في وقت كانت تعاني فيه الحكومة من توالي الانتقادات الدولية عقب سقوط حكم الإخوان، وهو ما واجهته بزيادة مساحة تحرك أعضاء المجلس لرصد الأوضاع على حقيقتها، وانعكس ذلك على التقارير التي أصدرها وانتقدت الاختفاء القسري وزيادة مدد الحبس الاحتياطي. غير أن ذلك تغير بعد أن أحكمت الحكومة قبضتها على الأوضاع واستطاعت أن تقنع جهات دولية كثيرة بأهمية مواجهة الإرهاب عبر تشديد القبضة الأمنية، ما أثر سلبا على دور أعضائه، وتحول المجلس إلى أداة لإصدار التقارير السنوية لعرض حالة حقوق الإنسان من دون أن يكون له أثر على أرض الواقع. يتسق انكماش دور مجلس حقوق الإنسان مع مجمل التحركات التي قوضت الكثير من تحركات منظمات المجتمع المدني، وتقليل ظهور الشخصيات السياسية والحقوقية وإضعاف تأثيرها المجتمعي، وحصر أدوارها في المواقف التي تكون الحكومة بحاجة إليها. لكن تقاعس البرلمان المصري والحكومة عن تشكيل مجلس جديد، انعكس سلبا على تواصل مصر مع بعض الهيئات الدولية، والدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وترتب على ذلك ظهور تقارير حقوقية تنتقد بشدة التعامل الأمني مع المعارضين، وهي تقارير خلطت في أوقات كثيرة بين المعارضين وأعضاء التنظيمات الإرهابية . وقال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ”العرب” إن بعض الأسماء الجيدة في المجلس لم تكن كافية لإضفاء استقلالية على عمله في ظل سيطرة الحكومة على معظم مفاصله، الأمر الذي جعل جميع الأدوار التي أداها دارت في فلك قضايا هامشية سمحت الحكومة بالاقتراب منها، وواجهت شخصيات معارضة فيه تضييقا أجبرها على الصمت. وتوقع أن يكون تشكيل المجلس المقبل مواليا بامتياز، مرجعا تأخيره إلى عدم رغبة الحكومة في المزيد من الجدل الداخلي بشأن الأسماء التي سيقع عليها الاختيار. وبحسب تصريحات أعضاء لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري، فإن دور الانعقاد الرابع والأخير للبرلمان الحالي، سوف يشهد تشكيل مجلس جديد عقب الانتهاء من تلقي الترشحيات على أن يصادق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي يكون من حقه إضافة أو حذف أي من الأسماء التي رشحها البرلمان. وأكدت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن المجلس تلقى منذ عام ترشيحات بالفعل غير أنه لم يقرر بعد التصويت على اختيارها، وأن ائتلاف الأغلبية (دعم مصر) الذي انضم أغلب أعضائه حاليا إلى حزب “مستقبل وطن” كانت لديه وجهة نظر رافضة لمناقشة الأمر خلال دورة الانعقاد المنقضية وفضل التركيز على التشريعات ذات الطابع الاقتصادي.

مشاركة :