تعدّ الروائية رحاب أبوزيد واحدة من الأصوات الأدبية السعودية التي أخذت على عاتقها أن تحرّك الساكن، وتوقد الأسئلة، عبر مقالاتها وقصصها ورواياتها، فهي ما إن تفتح مساحات الرؤيا حتى تدق الطبول معلنةً الحرب على الظلام من خلال تخليق شخصياتها السردية، والدفع بها لأرض معركة الوعي والتغيير. “العرب” كان لها معها هذا الحوار الذي تناول روايتها الأخيرة مع بعض المحاور الفكرية والاجتماعية في السعودية. تنطلق الروائية رحاب أبوزيد من أسئلتها الخاصة حيال الكون معتبرةً إياه مادة خصبة لإنشاء العوالم المسكونة بالدهشة والفزع والحيرة، لهذا فهي -وأثناء رحلة الكتابة- تنظر بعمق إلى كل ما يتسرب خلال رحلة البحث والحياة التي تأمل أن تصل إلى نهاية وجهتنا ونحن كاملين. من لحم ودم تقول رحاب أبوزيد “أدور في فلك الأسئلة، وأحياناً أعجز عن تشكيل سؤال واحد، وتظل استفهامات أخرى تتأجج حولي وتتقافز أمامي في كوب القهوة أو على مرآة أو ربما بين لوحة المفاتيح، أفضل ألاّ أعلن عنها أمام أقرب المقربين كي لا يتسلل إليه/ إليها الشعور بأني فزعة”. وتضيف “عوالمي مستقاة من الذاكرة الخالدة وما يبقى منها، الحب كعالم نلوذ به وما يشوبه، الجوهر الذي تبهت ملامحه ونعيد تلميعه، الروح التي لا تدرك أنها تتشظى وتتشتت بين أضخم عدوين لها؛ السأم والفراغ. بالعادة تسوق أجواء العوالم السردية عندي وترسم تضاريسها كثافة التجربة، وخوض مغامرات جديدة يمكن الخلاص منها إلى أفق جديد، أرى في الوقت الراهن أن الأزمة الحالية أزمة سياق، لم يعد هناك ترابط أو تماسك، إحدى مسؤولياتي المهيبة التي أُجلّها أن أخلق هذا البريق بين مسبب وسبب أو دافع وردة فعل، وكيفية إيجاد تفسير حدسي لذلك يميل للمنطق، في حين أن الواقع يزخر بالأحداث غير المترابطة، ولا تتقاطع مع المنطق في أي نقطة تماس”. أصدرت رحاب أبوزيد خمسة كتب تنوّعت اشتغالاتها بين الكتابة الروائية والقصصية والصحافية، حيث أصدرت في 2010 رواية “الرقص على أسنة الرماح”، وفي 2014 كتاب من أدب الرسائل حمل عنوان “بجناح واحد”، وفي 2016 كتاب مقالات تحت عنوان “بتونّس بيك”، ومجموعة قصصية “حليب وزنجبيل”. مع مطلع شهر سبتمبر الماضي أصدرت أبوزيد رواية “كيرم” (وهي لعبة تلعب على طاولة مربعة، وتشبه طريقة لعبها البلياردو، ولها شعبية واسعة في الجزيرة العربية والحجاز)، والتي جعلت فيها الزمن هو بطلها الحقيقي، مستحضرةً اختناقات الوقت بكل مكوّناته الدافعة للإنسان نحو اختبار قدرته على التحمل، وما قد يعبئ هذا الوقت، ويختبر فيه الحيوية والاستعداد للتناغم والتعايش. أدور في فلك الأسئلةأدور في فلك الأسئلة تقول في هذا الشأن “اليوم التعايش لم يعد أمراً اختيارياً، في ظل أعداء فاعلين متربصين بالإنسان على رأسهم السأم والفراغ، اخترت ‘كيرم‘ عنواناً للعمل الروائي الثاني لي على اعتبار أن الحياة لعبة كبيرة لا يمكن أخذها على محمل الجد، كما لا يمكن الاستخفاف بظلالها التي تلقيها على مصائر البشرية، الفقد على سبيل المثال يحيل الواحد منا إلى شخص آخر لا نعرفه وكان يظن أنه يملك زمام نفسه. إشكالية الخيانة والصدق ومعايير الخير والشر ليست صارمة الحدود كما يخيل لنا في الأفلام، المزيج النفسي الإنساني سيجعلك تحتار حتى في التعاطف مع نفسك أم في إبداء الشماتة فيها أحياناً”. ترى أبوزيد أن المشهد السردي السعودي المعاصر جريء لكنه غير حميم. تقول “ما يحرك الحروف لتسكن في الخواطر وتتحوّل عمل مكتوب، وإلى سطور نابضة بشخصيات من لحم ودم نكاد نسمع لهاثهم ونلمس دفئهم أو جمودهم هي الحميمية لُب الإبداع، وسر العلاقة بين الكاتب والمتلقي، وهي تتأتى من درجة رفيعة من الصدق والشفافية التي يروح ضحيتها الكاتب نفسه وحياته الطبيعية وعادية الأشخاص والأشياء من حوله، ولطالما قلت بكثير من الوجع ونتف من الفخر أن الكتابة هي المهمة الوحيدة التي لا تحظى بمقابل يكافئ أتعابها مطلقاً مهما بلغ الكاتب من شهرة أو ثراء”. الجيل الجديد والمرأة تتابع “نحن جيل لم يحظ بفرصته ليصبح رائداً، جئنا بُعيد ‘الكبار‘ فداهمنا جيل لا تحتوي مفردات عصره على هذا المفهوم أصلاً، في حين كانت لـ‘الكبار‘ في مخيلتنا مكانة المقدس. وعندما وصلنا لمسالك القمم قيل إلينا شروط الوقت تغيرت وقوانين اللعبة ليست متطابقة مع العبث الذي أتيتم به، كان لزاماً أن نتعلم مهارة جديدة تنقذنا من النسيان والدهس بين الأقدام.التعايش، الذي يعتمد في أصوله الجوهرية على التكيّف والتجدد والمقاومة”. وتضيف متحدثة عن واقع المرأة السعودي المعاصر وعن علاقتها بالتغييرات الاجتماعية والسياسية الأخيرة “أن تحدد ما ترتديه من المبادئ الجديدة وما تخلعه لأنه لا يليق بك إذا كنت فعلاً تودّ أن تتميّز شخصيتك عن القطيع، هذا بحد ذاته كان تحدياً على واحد من الأصعدة العديدة التي تمتلئ بتحديات أخرى، أن تضع نفسك خارج التصنيف وفوق المنافسة الخاوية وترفض التدجين ثم تأخذ موقفاً حازماً من الأدلجة، وتصبح بمفردك صاحب قرار تشكيل عالم منفتح على الفكر الحر، عندما كانت معضلة الإنسان في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وقبل تحولات الربيع العربي حينذاك التوازن، إيجاد بقعة ضوء من عيش كريم في وطن يحترم إنسانيته وحبه للحياة، زد على هذا الهمّ، همّ المرأة كونها امرأة بحاجة لتقديم نفسها كل مرة بثبات ووضوح كي تحرز انطباعاً أنها جديرة بفرص العمل وتكفر عن ذنوب أسطورية تؤهلها لمراتب تتطلب الثقة والإثبات المتكرر للاستحقاق”. أجواء العوالم السردية عند رحاب أبوزيد ترسم تضاريسها كثافة التجربة، وخوض مغامرات جديدة تقودها إلى أفق جديد وفي سؤال عن التحولات الوطنية في السعودية التي لامست المرأة وحياتها على مستوى تغيير الأنظمة، وهل ترى أن هذه التحولات قادرة بشكل ثوري على كسر الحالة النفسية حيال المرأة في مجتمع ذكوري؟ تجيب رحاب أبوزيد “اعتدنا أن تكون المسافة شاسعة وقائظة بين ما حققناه كنساء وبين ما نطمح إليه/ وما نستحقه، ولا أودّ التوغل في تفاصيل ما فاتنا ممارسته بسبب التشدد الديني والمواقف العنيفة من التجدد ومن أي تقدم نهضوي تقوده سيدات مميزات، وبالتالي تم تلغيم المنطقة بمعوّقات تفجر أي مسودة لمشروع نسائي حقيقي، وعندما أقول مشروعا فإني أقصد أسماء وتشريعات وأفكار وأنظمة، التحولات الوطنية الراهنة ضمن رؤية المملكة 2030 تتولى زمام القفزة التي ستختصر الزمن وتكرّس الجهود والميزانيات لملامسة تطلعات المستقبل. يبقى الحدس وحده ذخيرة الكاتب والراصد بعين ثاقبة لمعطيات الأحداث، ومن مكتسبات هذا الجيل تمتعه بروح لا تُهزم ولا تُهرم، جميع الطرق في تصاعد تؤدي إلى حتمية التفوق على الوقت وتجاوز التفكير داخل الصندوق”.
مشاركة :