الفن المسرحي هو الذي حرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي

  • 10/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

طرح الناقد الجزائري سليم شنة في بحثه الذي نال عنه درجة الدكتوراه وناقشه في الملتقى البحثي المسرحي لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في دورته السابعة “الثورة التحريرية الجزائرية في الإخراج المسرحي المعاصر”، تساؤلات مهمة حول دور المسرح في الثورة الجزائرية، منها: كيف ساهم الإخراج المسرحي الجزائري المعاصر في تجسيد الوقائع التاريخية للثورة التحريرية والتأريخ لها؟ وكيف استطاع المسرح إعادة إنتاج أحداث الثورة التحريرية وعرضها على المجتمع الجزائري من الناحيتين السياسية والثقافية؟ متسائلا كذلك حول قدرة المسرح الجزائري المعاصر على رصد الوقائع التاريخية في كل جوانبها ومحاكاتها للأعمال النضالية على الركح وجعلها وثائق أرشيفية مرئية. المسرح الثوري يرى شنة أن توجه المسرح الثوري الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية وبعد الاستقلال، لعب دورا في إيقاظ الضمائر وشحذ الهمم وتوعية الجماهير بضرورة الاستبسال في وجه الاستعمار، ومن ثمة إنعاش الذاكرة الشعبية والتاريخية للمجتمع الجزائري وربط جيل الأمس بجيل اليوم. وقال إن المسرح الجزائري حاول أن يرصد الواقع الاجتماعي وأن يفرض نفسه على الساحة الثقافية في الآونة الأخيرة حيث أصبح الفنان ينظر إلى الظواهر الاجتماعية بمنظار جديد استجابة لمتطلبات المرحلة ومعطياتها السياسية والاجتماعية. سليم شنة: المسرح الجزائري مازال يحاول أن يفرض نفسه على الساحة الثقافيةسليم شنة: المسرح الجزائري مازال يحاول أن يفرض نفسه على الساحة الثقافية وأكد أن علاقة الثورة بالمسرح عريقة وقديمة نمت وترعرعت منذ البدايات الأولى، وهيمن المسرح على الثورة وأصبحت الثورة إحدى اتجاهاته وألوانه الفنية، فلم يستطع المسرح الاستغناء عن الأحداث الثورية فهي مصدر يستلهم منه مادته، ويقتبس من أحداثها وذلك لأن المستجدات والأحداث والتغييرات والحالة المزرية التي آلت إليها المجتمعات على أرض الواقع توحي بذلك، وهي التي يمكن إعادة صياغتها وتشكيلها مسرحيا بقالب فكري لمعالجتها. وشدّد شنة على أن المسرح والثورة وجهان لعملة واحدة، لكليهما هدف واحد، فالمسرح سلاح ذو حدين فهو أداة من أدوات الثورة، فالمسرح دعا للثورة والثورة جعلته وسيلة لها، ثم إن المسرح الثوري يطرح القضايا لتوصيلها إلى الجماهير لينمي بداخلها مبادئ ومواقف فكرية وسياسية. وأكد شنة على أن للمسرح الجزائري دورا هاما في نشر التوعية وحركة التغيير، وتعبئة الجماهير بدءا من نشر المسيرة النضالية إلى المقاومة الثورية، وكان كل هذا تحت الظلم والقمع والقهر المطبق من طرف المستعمر لأنه أدرك خطورة وعظمة الإيمان بالقضية السياسية، ويبقى هؤلاء من المؤمنين بالحرية والاستقلال رغم كل ما يتعرضون له من الحرمان والمطاردة. الرؤى الإخراجية يرى سليم شنة أن الرؤى الإخراجية تعددت بتعدد المدارس والمذاهب وتجددت الحركة المسرحية المعاصرة واتخذت لها مناهج جديدة، و”قد أتاحت وسائل وطرق تكنولوجية زادت في قوة توصيل ما لم تستطع عناصر المسرح إيصاله، في فن المشاهدة البصرية من تقنيات الفن المسرحي وفرضت على المخرج أن يغير فكره في استخدامها وذلك لمتطلبات المشاهد لمواكبة التطور الإبداعي فتصبح عبارة عن وسيط، وهكذا يجب أن يكون عليه النص المعاصر في علاقته بالتكنولوجية التي يجب أن تكون وسيلة بصرية لغوية كجزء من أحداث ومعمارية النص البصري وهندسته”. لفت شنة إلى أن المجتمع الجزائري لم يعرف الفسح الأدبية والثقافية وذلك للحصار القائم عليه، وكان همه وشغله الشاغل كيف يجمع لقمة العيش ويخرج من الوضع القائم الذي فرضه مستعمر غاشم، فقد تفشت فيه الأمية والفقر واتخذ البعض من الكتاتيب ملاذا وملجأ لتعلم اللغة العربية، وكان لهذه الكتاتيب أثر في التبليغ ونشر الوعي والحفاظ على التماسك والتعبير عن القضايا والأفكار، وعند قدوم الفرقة المسرحية لسليمان القرداحي 1908 خلقت في نفوس المجتمع الجزائري نوعا من الفرجة ومثلت له متنفسا. وبدأت فكرة إنشاء ثقافة مسرحية تتخذ منحنى آخر، فأسست جمعية ثقافية مسرحية في المدية والعاصمة على يد الأمير خالد سنة 1910 وقام بعرض مسرحيات لشكسبير وكان “لقاء الأمير خالد حفيد الأمير عبدالقادر مع المسرحي والفنان جورج أبيض خلال مأدبة أقيمت في باريس سنة 1910 من أهم اللقاءات الباعثة والمكملة للفن المسرحي الجديد في الجزائر، ولهدف إيقاظ الهمم وتحريك النفوس المثبطة والكئيبة، رأى الأمير خالد أنه لا بد من تحقيق ذلك من خلال المسرح، فكان أن طلب من جورج أبيض أن يبعث له بعض أعماله الفنية المسرحية الهادفة”. وفعلا بعد سنة من هذا اللقاء بعث له “المروءة والوفاء” لخليل اليازجي، و”الشهيد” لحافظ إبراهيم كروايات تحث على التمسك بالقيم العربية، وتذكر بعزة وكرامة الشعوب العربية القديمة، فتأثر بهذه الأعمال الشباب وأصبحوا يبادرون إلى تكوين فرق وجمعيات. للمسرح الجزائري دور هام في نشر التوعية وحركة التغيير، وتعبئة الجماهير بدءا من نشر المسيرة النضالية إلى المقاومة الثورية وأوضح شنة أن الأمير خالد لم يتوان في تطوير العمل المسرحي وواصل مشواره بالبحث عن أعمال تخدم الحركة المسرحية التي كان من خلالها يبحث عن مصدر لرفع القضية الجزائرية في المحافل الدولية، ولعل ذلك ما نجده في رحلاته إلى البلدان العربية، وواصل الأمير خالد نشاطه فذهب إلى تونس وأقنع بعض الفرق بتبادل الزيارات، حيث أثمر هذا الاتفاق زيارة جمعية الآداب التونسية للمرة الأولى بين 25 فيفري و15 مارس 1913 وقدمت مسرحية “السلطان صلاح الدين الأيوبي” في عدة مدن. وبدأ العمل المسرحي يعرف تقدما واتضحت معالمه وأهدافه، ولعل النشأة الفعلية للمسرح الجزائري كانت إثر زيارات ووفود الفرق المسرحية من المشرق، وأول زيارة كانت لفرقة سليمان القرداحي سنة 1908 والتي قامت بجولة في تونس والجزائر، وقد كان توجه المسرح الجزائري واضحا فهو ردة فعل شعب بطبقاته السياسية والثقافية ورجال الفكر، عبر فيه كل بأسلوبه ضد هيمنة الاستعمار الذي نشب جذوره طيلة قرن وربع قرن. ورأى شنة أن للمسرح الحديث ما يميزه من طابع اجتماعي وذلك لتداخل عدد كبير من المذاهب المسرحية لندرك ونتوصل إلى مسرح معاصر باختلاف بلدانه ومجتمعاته، فالمسرح بأصالته لا يزال سلاحا فعالا من أجل التغيير مع إضفاء المتعة. وقد أثبت المسرح الجزائري سابقا قدرته وفعاليته على خدمة أيديولوجيات المجتمع ومعالجة همومه، حيث جمع بين المناهج الإخراجية المتعددة، الواقعية والرمزية والملحمية، وأصبح المسرح الجزائري المعاصر في بنيته قادرا على العطاء مع القدرة على الإبداع الفكري، وقد اتضحت معالمه من حيث إيصال تلك العملية الإعلامية الاتصالية، وتفاعله مع الجمهور ومشاركته لإسقاط الجدار الوهمي. وقال إن الإخراج المسرحي استطاع أن يوظف الرمزية التعبيرية وينتقل بجماليات المنظر المسرحي من الخطاب التقليدي، جاعلا من جسد الممثل هو الأخر أيقونة رمزية تعبيرية تسمو بأفكارها وحركاتها بأسلوب يتماشى مع واقعية الحدث، وبذلك عُدّ الإخراج المسرحي الثوري الجزائري فنا أصيلا مزج بين التراث والتاريخ والتزم الصدق في تسجيل ونقل الأحداث والواقع بأمانة.

مشاركة :