ستوكهولم – حققت مجموعة من العلماء شهرة دولية بعد أن تم إخبارهم بأنهم فازوا بجوائز نوبل في علم وظائف الأعضاء والكيمياء والفيزياء، وستشهد حياتهم تحولا جذريا، حيث سيفوز كل منهم بمئات الآلاف من الجنيهات وسيتم تكريمهم كعلماء مخضرمين في المجال العلمي وفي مجالات أخرى خارج تخصصاتهم. ووفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن الكثيرين يشككون الآن في إعطاء هذه المكانة للعلماء ويعتقدون أن جوائز نوبل قد عفا عليها الزمن بسبب عصر عمليات البحث الحديثة الذي نعيشها اليوم. ويقولون إن جوائز نوبل تشجع على الإنجازات الفردية وتشعل روح المنافسة على حساب التعاون، ويريدون كنتيجة لذلك أن يغيروا هذا النظام. هذا التشكيك يعيد إلى الأذهان تاريخ 10 اكتشافات عظيمة لم تفز بجائزة نوبل إلا أنها ساهمت في التطور التكنولوجي اليوم وكانت المحرك الأساسي للدخول إلى عالم البرمجيات التي أخذت تتطور مع الوقت، فالإنترنت من بين أهم هذه الاختراعات التي غابت عنها هذه الجائزة منذ قيام أول حفل لمنحها عام 1901، إذ فشل باحثون أميركيون في بداية عام 1960، في الحصول على نوبل لإنشائهم شبكات اتصال حاسوبية، وهو ما تطوّر بعد ذلك ليتحول إلى شبكة الإنترنت. وفشلت الشبكة العنكبوتية مرة أخرى في الحصول على الجائزة عن طريق عالم الكمبيوتر البريطاني تيم بيرنرزلي الذي كان صاحب فكرة بعث الشبكة العالمية، بالإضافة إلى أنه أنشأ أول موقع على هذه الشبكة في العام 1990. إلا أن هذا العالم لم ينل جائزة نوبل، على الرغم من أنه كان وراء تغيير حياة معظم البشر في العالم. وفشل أصحاب اختراع الشبكة العنكبوتية قابله انتشار كبير للإنترنت في كامل أنحاء العالم وسيطرتها عليه وعلى كل المجالات والبحوث التقنية والعلمية والأدبية. وقال عالم الكونيات بريان كيتنغ، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو “لقد تخطت جوائز نوبل الرؤية الأولية التي وضعها مؤسسها ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة تنظيمها، ولا سيما أنها مازالت تستخدم لمكافأة نسخة قديمة من العلم”. وكان فينكاترامان راماكريشنان، رئيس الجمعية الملكية والفائز المشترك بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2009، أيضا أحد المنتقدين. ففي كتابه “جين ماشين” يقول راماكريشنان “أصبحت جائزة نوبل مثل اليانصيب، الذي يتم تنظيمه بالمحسوبية”. وجادل مارتن ريس، عالم الفلك، بأن جائزة نوبل تشوه فكر العامة حول أي علم من العلوم أهم من الآخر، موضحا “تحصل ثلاثة علوم فقط على جوائز نوبل: الكيمياء والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء، ويتم تجاهل الرياضيات، وكذلك الحوسبة، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والعلوم البيئية”. 10 اكتشافات عظيمة لم تفز بجائزة نوبل إلا أنها ساهمت في التطور التكنولوجي اليوم وكانت المحرك الأساسي للدخول إلى عالم البرمجيات التي أخذت تتطور مع الوقت ومع وجود الذكاء الاصطناعي الذي صار قاب قوسين أو أدنى من التحكم في جميع العلوم والمعارف والوظائف، أصبح تجاهل مستجدات التكنولوجيا بكل اتجاهاتها وتطوراتها وابتكاراتها أمرا يثير المزيد من التساؤلات حول القواعد التي تعتمدها لجنة جائزة نوبل في اختيارها للمرشحين والفائزين، ثم ماذا لو أن الذكاء الاصطناعي دخل المنافسة فهل ستكون له حظوظ للفوز بجائزة نوبل؟ وهنا ينتقد كيتنغ السرية التي تغلّف لجنة جائزة نوبل، مضيفا “أنت لا تعرف من تم ترشيحه للجائزة، ولا تعلم من قام بالترشيح. أنت فقط تُفاجأ بالتصريح، وهو أشبه بالعملية المقدسة مثل تسمية البابا الجديد”. وقام مخترع الديناميت السويدي ألفريد نوبل، بتأسيس جوائز نوبل للعلوم والسلام والأدب في وصيته، ومنذ عام 1901 تم منح أكثر من مليار دولار للفائزين مما ساعد على توثيق الجائزة باعتبارها “أكثر جائزة مرموقة في العالم”، بحسب كيتنغ. وكان من بين المتلقين الأوائل للجائزة ماري وبيير كوري وبول ديراك وألبرت أينشتاين، الذين عملوا في زمن كان بوسع العلماء الفرديين تحقيق اكتشافات في فيزياء الكم والنسبية، ولكن لا نستطيع مع ذلك إغفال بعض القصور الذي أشار إليه راماكريشنان، حيث كان من المفترض أن يفوز كل من ديميتري مندلييف، مخترع الجدول الدوري للعناصر، وليز مايتنر، التي اكتشفت الانشطار النووي، بالجائزة، ولكن ذلك لم يحدث. والأسوأ من ذلك أن اللوائح التي فرضتها لجنة جائزة نوبل في وقت لاحق زادت من اتساع فجوة الظلم، ولا سيما القاعدة التي تنص على أنه لا يمكن لأكثر من ثلاثة أشخاص أن يفوزوا بجائزة نوبل في العلوم الفردية. وتتضح المشكلة التي أثارتها هذه اللوائح في الجائزة التي تم منحها في عام 2013 إلى بيتر هيغز وفرنسوا إنغليرت بسبب قيامهما بجهد نظري أدى إلى اكتشاف الجسيمات الذرية الفرعية التي سميت “بوزون هيغزه” والتي تلعب دورا مهما في توزيع الكتلة في الكون. وفي الواقع، قام ستة علماء، بمن في ذلك هيغز وإنغليرت، بالمشاركة في هذا العمل النظري من بين هؤلاء، كان البريطاني توم كيبل، الذي توفي في عام 2016، وهو أقوى مرشح لنوبل مثله مثل الآخرين، بحسب ريس. وأضاف راماكريشنان “قاعدة الثلاثة الفائزين بالجائزة لا تنطبق على هذا العصر الذي نعيشه”. وفي نفس الوقت تصل جائزة نوبل بهذا العدد القليل من الفائزين إلى حد الألوهية، وهذا أمر سيء، بحسب مؤرخة هارفارد العلمية نعومي أوريسكيس، مضيفة “هذا يعكس النظرة الخاطئة للعلم، والذي يعزو القوى الخارقة للطبيعة والحكمة إلى العلماء الأفراد، عندما يكون العلم الحديث شأنا جماعيا إلى حد كبير”. وتابع ريس “حتى أفضل العلماء لديهم خبرة ضيقة، ثم إن آراءهم حول الموضوعات العامة لا تحمل أي وزن خاص، من الممكن أن نجد حاصلا على جائزة يدعم أي قضية تقريبا، مهما كانت غريبة، مستغلا بذلك مكانته الجديدة”. ومن بين الفائزين الذين أثاروا الذعر بسبب أنه تحدث خارج مجالات خبرته النرويجي إيفار جيافر، الذي فاز بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1973، للعمل على الموصلية الفائقة، لكنه ظل ينكر أن الأرض تتأثر بأي شكل من الأشكال بظاهرة الاحتباس الحراري. ومع ذلك، يقول النقاد إن هناك طريقة واحدة سهلة لتحسين الأمور، لأن هناك سابقة لمنح جوائز نوبل للمنظمات والأفراد، ففي عام 2007 فاز آل غور بجائزة نوبل للسلام مع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ بسبب عمله في ظاهرة الاحتباس الحراري. وقال كيتنغ “لذلك سيكون من الجيد شمول المجموعات وفرق العمل للفوز بالجائزة، كان من الممكن تكريم الفرق التي تعاونت لاكتشاف موجات الجاذبية وبوزون هيغز، وهذا هو نوع التغيير الذي نحتاجه”.
مشاركة :