في العدد 13/ 1984 من مجلة الكرمل تجري الكاتبة سلوي النعيمي حديثا مع يوسف إدريس، فقالت له: - في صورك القديمة تبدو وسيما، كيف يعيش فنان مثلك علاقته مع شكله الخارجي. فقال: لست راضيا عن شكلي، المهم أن يقتنع الإنسان بشكله، رأيت أستاذ جامعة قبيح جدا، يتحدث عن جماله بثقة، فحسدته. وقابلتُ في حياتي الكثيرين ممن يروا أنهم على درجة عالية من الوسامة، رغم أنهم غير ذلك، ففي الإسكندرية لنا زميل كاتب، ليس وسيما، لكنه يرى أنه غير ذلك، وقد شاهدته وهو يسخر من زملاء، ويتهمهم بالقبح، مع أنهم أكثر منه جمالا. وقابلت في العمل زميلا بعيد عن الوسامة، لكنه يرى إنه أجمل بني آدم، وأذكى بني آدم، وملابسه أفضل من ملابس كل الناس. وكنا نضحك ونتندر من تصرفاته عندما يشتري حذاءً جديدا، فيظل ينظر إلى أسفل متابعا الحذاء بإعجاب طوال اليوم ولعدة أيام قادمة، وكان يذيع عن نفسه إنه أمهر موظف – ويقول لي ببساطة شديدة: - أنت تعرفني، العمل الذي يقضي فيه الموظفون أسبوعا بأكمله، انتهي منه في جلسة واحدة. ولقد أحب الغراندوق بطرس (وارث عرش روسيا) كاترين، الأميرة الألمانية التي عاشت في روسيا فقيرة معدمة، لا تملك سوى ثلاث قطع من الثياب، لكنها كانت جميلة، وهو مشوه الوجه من آثار الجدري الذي أصيب به منذ زمن بعيد. فقاوم الفرق بين جمال زوجته ودمامته بإدمان الخمر، وشك في سلوكها واتهمها بأن أولاده منها ليسوا من صلبه، فأوعزت إلى أحد عشاقها بأن يدس السم في كأس الفودكا التي يدمنها، غير أن بنيته القوية قاومت مفعول السم، مما جعل عشيقها يطرحه أرضا ويجثم فوقه ويحشو حلقه بالمنشفة حتى اختنق ومات. ثلاثة أشياء، أولها القوة الجنسية وثانيها أن يكون حلو الشمائل، وثالثها أن يكون وسيما. والشرطان الأوليان هما الأهم. وقد أحب الوليد بن عبدالملك أم البنين الجميلة وتزوجها، وكان دميما، بوجهه أثار جدري. فبالغ في تدليل زوجته، بينما ضاقت هي بحياتها معه، فأحبت وضاح اليمن، الشاعر الجميل الصورة، الذي كان يضع قناعا على وجهه وقت طواف الكعبة لكي لا يفتن النساء بجماله وخشية الحسد. ويحكون بأن وضاح اليمن كان يزور أم البنين سرا، وقد جاء أحد التجار لزوجها الوليد وعرض عليه عقدا من اللؤلؤ، فأمر خادمه بأن يعرضه عليها، وعندما أحست بقدوم الخادم، أخفت وضاح اليمن في صندوق من صناديقها، فأراد الخادم استغلال الموقف وطلب منها فصاً من فصوص العقد الثمين، فامتنعت، فأخبر الوليد بما رأى، وحدد له مكان الصندوق، فأمر الوليد بقتل الخادم الواشي ليخفي السر، ثم أمر خدمه وعماله بحفر بئر في الحديقه ودفن الصندوق دون أن يتيقن من صدق معلومة خادمه، على أساس أنه لم يخسر كثيرا، فالصندوق ليس به سوى عدد من ثياب زوجته، ولو كان – حقا – بداخله وضاح اليمن، فهو يستحق أن يُدفن حيا نتيجة خيانته. ويحكون أن وضاح اليمن لم يظهر بعدها. ويقول محمد حسنين هيكل في مقالة له في مجلة وجهات نظر العدد الأول (فبراير/شباط 1999). وربما لا يكون تجاوز في القول بأن التاريخ الإنساني – على طوله – صراع بدرجة رئيسية على ثلاثة أسباب: القوة، الثروة، الجمال. ويقول أيضا: إن نابليون في نهاية حياته أقام علاقة مع ممثلة باريسية صارخة الجمال اشتهرت على المسرح باسم "مودموازيل جورج" وبعد هزيمة نابليون، استطاعت أن تثير مشاعر القائد الإنجليزي المنتصر عليه في معركة واترلو الدوق ولنجتون، وكان حكمها على الرجلين من تجربتها قولها: لقد ظهر لي إن الأكفأ في الحب هو نفسه الأكفأ في الحرب. واتضح أن الملكة فيكتوريا الذي استغرق حكمها لبريطانيا معظم القرن التاسع عشر، أقامت علاقة مستمرة ومستقرة مع خادم الأسطبل الملكي جون براون، وأنها انجبت منه طفلة تقرر التستر عليها وإخفاؤها لدى أسرة في المانيا. ويقول هيكل أيضا إن كثيرين قد شهدوا باستخدام مارجريت تاتشر لدلالها الأنثوي – دون تفريط – في التأثير على محيطها السياسي – وكان الرئيس فرانسو ميتران يشعر بنوع من الجاذبية المكبوتة تجاه رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، وكان يقول إن هذه المرأة فيها شيء مغر يصعب تجاهله، حتى وهي تصرخ بأعلى صوتها في مناقشة سياسية، ويكمل ميتران قوله بأن شفتي مارجريت مثل شفتا مارلين مونرو معبأتان بالإثارة. وللجمال سطوة وقوة عجيبة، فقد سمعت عن امرأة جميلة متزوجة من صاحب مصنع صغير، كان دميما ومحبا لها بجنون، فكانت تتلذذ بالسخرية منه وتعذيبه، فتطلب منه في منتصف الليل، أن يأتي لها بسدق، فيخرج سيارته من الجراج ويطوف شوارع الإسكندرية باحثا عن جزار سهران، يبيع السدق المطلوب. للجمال سطوة وقوة عجيبة هذه المرأة فيها شيء مغر يصعب تجاهله وقد أحبت كاترين، جريجور أوريوف – الضابط الشاب الوسيم – فسيطر عليها بسطوة جماله، فكان – وهي القيصرة العظيمة الشأن – يصفعها وقتما يشاء، ويقبل وصيفاتها أمامها ليغيظها، وهي غير قادرة على مواجهته وإغضابه، خشية أن يهجرها أو يقسو عليها ويضربها ويسخر منها أمام الوصيفات والخدم. وهذا ما فعله حسب الله مع زوجته ريا التي كانت تكبره بخمسة عشر عاما، فكانت تبديه على نفسها وتعطيه نصيبه ونصيبها – بعد قتل الضحايا - لينفقه على ملذاته، وتسمح له بأن يتزوج فتاة صغيرة. ويختار النساء العاهرات اللاتي يعجبنه، بل استأجرت له حجرة لكي يقيم بها علاقات مع الأخريات. وفي التحقيق أرادت أن تنجيه ولو أدى هذا إلى إدانتها هي. وقد أحس أنه لا يزال – بعد كل ما جرى – يمتلك رصيدا من الحب في قلب زوجته، فحاول أن يدفعها لتأييد رأيه بأنه لم يكن يقيم معها في المنزل الذي عثروا فيه على جثث القتلى، فطلب من القاضي أن يواجهه بها، على أساس إنه واثق من تأثيره عليها، فسوف ينظر لعينيها، فستضعف وتدين نفسها لتنجيه. وقد بدأت علاقة المطربة فايزة أحمد بمحمد سلطان، عندما وجد ورقة مكرمشة ملقاة بسلة المهملات بمعهد الموسيقى، مكتوب فيها أغنية "رشوا الورد على الصفين" تحية لاستقبال الجيش المصري العائد من اليمن، فلحنها وعرضها عليها وغنتها، ثم تزوجها. فبدأت بينهما علاقة عجيبة، صوت نادر الوجود، وملحن قدراته أقل من مكانة وجوهر صوتها، لكن كل هذا تلاشى أمام شبابه ووسامته، فاحتكر صوتها طوال فترة زواجهما، فقد سمعت محمد الموجي يقول في التليفزيون عنها: - قالت لي إنه بيزعل لما اشتغل مع ملحن غيره. بينما تزوجت أم كلثوم من محمود الشريف، وهو سكندري مثل محمد سلطان، لكن – رغم زواجهما – عندما لم يعجبها تلحينه لأغنية "شمس الأصيل" رفضتها، وأعطتها للسنباطي لكي يلحنها، فقد كان صوتها أغلى من أي شيء آخر. ولقد ظلمتنا فايزة أحمد عندما امتنعت عن التعامل مع الملحنين الآخرين طوال فترة زواجها من محمد سلطان، فعلى رأي محمد عبدالوهاب: عايز تسمع فايزة أحمد، ما تسمعهاش مع محمد سلطان. وقد هرب جريجور أوريوف مع وصيفة من وصيفات القيصرة الروسية كاترين، فحزنت عليه كثيرا، ثم تعلقت بعملاق دميم الخلقة، قبيح الهيئة اسمه بوتمكين. لكنه كان مثالا حيا لقوة البدن وصلابة العضل ومتانة الأعصاب، فكانت لمسة واحدة من يده لجسد كاترين، تغمرها بسعادة وانتشاء ولذة. ويقول أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، إن جارية قد اشتهرت بعلاقاتها الكثيرة بالرجال، وسُئلت – يوما – عما يعجبها في الرجل. فقالت: - ثلاثة أشياء، أولها القوة الجنسية وثانيها أن يكون حلو الشمائل، وثالثها أن يكون وسيما. والشرطان الأوليان هما الأهم. ودخل أحد الرجال قصر امرأة غنية، لديها الكثير من الجواري والخدم، وشاب صغير يتحكم في سيدة القصر وكل خدامها، فيدفع السيدة بيده ويسب الأخريات، والكل متقبل رعونته ونزقه، حريصين على إرضائه وعدم إغضابه، فسأل الرجل السيدة مندهشا: - لماذا تسمحين له بأن يفعل بك وبخدمك ما يفعل؟! فقالت: أنت لا تعلم ما الذي يفعله بي في المساء.
مشاركة :