سؤال المظهر.. الوجه والوجود وثنائية الجمال والقبح

  • 9/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في الأساطير، في الملاحم، في الروايات، في الشارع العام، دائماً نتحدث عن الجمال، يغوينا الجمال، يثير خيالنا وحواسنا، يلفت انتباهنا، يدفعنا لتغيير رؤانا نحو ذواتنا، كلما نظرنا للجميل نلتفت مباشرة لجمالنا نحن، للتساؤل حوله، لاكتناه أبعاده، هل بيننا اختلاف كبير بين جمالنا وهذا الجمال الماثل أمام أعيننا؟ ومن جانب آخر هل أستحق أن أمتلك هذا الجمال، بل هذا الجميل كشريك، رفيق، زوج، نصف يغطي قبحي! (أو يضيف جمالاً لجمالي كروعة تجمعنا) بأقل تقدير أصير نصف قبيح/جميل معه؟! روبرت هوغ Robert Hoge (كاتب أسترالي) من طينة أخرى، تساؤلاته بهذا الخصوص أكثر عمقاً، طالما أنه يدرك جيداً أنه لا مجال للتقارن مع الجميل الماثل أمام العين، فقبحه حسب منحنيات الجمال محسوس وظاهر دون حاجة لدرجة قياس، يحكي هوغ عن تجربة الإدراكية والأخلاقية فيما يتعلق بالموضوع: أول رد فعل أتلقاه عندما أخبر الناس بأني قبيح، يكون لطيفاً بالغالب، معارضة عن حسن نية "لا أنت لست كذلك، أنت فقط.. مختلف"، "كل شخص جميل حسب طريقته"، هذه مجرد بضعة ردود أتلقاها كلما حاولت فتح نقاش حول الاختلافات المظهرية.. لكنهم يكذبون. أنظر، لقد ولدت بوَرَم بحجم قبضة يد على وجهي، وبساقين مشوهتين، لقد تكوّن الورم باكرا مع نموّي، دعس أنفي ودفع بعيني نحو الجانب، مثل سمكة. ساقاي كانتا متضررتين لدرجة أنهما تطلبتا بتراً في نهاية المطاف. بعد دزينتين من العمليات الجراحية لإصلاح وجهي، بدا من الواضح أن الأمر لن يتم، أنفي ظل متسعاً ومسحوقاً، وظلت هناك ندوب بجانب من وجهي حيث كانت هناك عيني قبل أن يتم تحويلها للأمام، هذه الندوب التي تمتد على وجهي، كانت تبدو شبيهة بمسارات القطارات القادمة نحو المحطة المركزية الكبرى. فإن لم أكن قبيحاً، فلا أحد كذلك. أنا مرتاح لقول هذا عن نفسي رغم ذلك؛ لأنني أدركت أن مظهري جزءٌ مني وليس كل شيءٍ فيّ، هذا الإدراك لم يأتِ هكذا مكتملاً عندما ولدت، بل تطوّر مع سنين من التفكير، والمضايقة، والمحادثة، والصداقة، والتنمر والحب.. هناك بعض الأمور التي اكتشفتها بهذا المشوار. 1- القبح ليس غياب الجمال القبح ليس غياب الجمال، ليس ما يعارض الجمال، القبح شيء خاص بذاته، أمر رائع. تعريف القبح بما هو عكس للجمال فقط يُقزّم إحساسنا لما هو عادي، فإطلالة سريعة على التاريخ تكشف لنا أن تعريف الجمال من خلال طريقة واحدة معتمدة، ليس سوى اختيار موضوع آخر قابل للتغيير عبر المواسم. تحديد مظهر الفرد انطلاقاً فقط من ارتباطه بهذا التعريف، يسلب منا ثراءً عميقاً. المظهر مرتبط بالهوية وقيمة الذات،إن إدراك اتساع الاختلافات المظهرية يساعدنا على إدراك الاختلافات بين الناس. 2- بإمكاننا الإقرار بالاختلافات المظهرية دون ربطها بقيم يلزم التوقف عن إقناع الناس بأن الاختلافات المظهرية غير مهمة، من خلال التظاهر بأنها غير موجودة، اللطف يحط من مظهري، واستطراداً، من ذاتي عندما يدّعي الناس بأني جميل. إن ما نحتاجه فعلاً هو محو الارتباط بين المظهر ومجموعة الخصائص المسندة إليه، لقد تعوّدنا على ربط بعض السمات الشخصية بالجمال والقبح، حتى قصصنا الخيالية تقوم بهذا، فقط لأن أحدهم جذاب، فهذا غير متبوع آلياً بكونه طيباً أو ذكياً، فقط لأن أحدهم أقل جاذبية، فهذا كذلك غير متبوع آلياً بكونه دنيئاً أو مغفلاً. الأمر يبدو كمخادعة بسيطة، لكن يجب على الناس أن يبدأوا بتقبّل أنه لا بأس في الإقرار باختلافاتنا، وبأن تلك الخصائص لا تأتي محمّلة مسبقاً بمجموعة من السمات الشخصية. 3- الجمال بحد ذاته مليون نقطة في خريطة الجمال هو الفضاء المتنازع عليه، مفاهيم حول ما هو جميل أو غير جميل متغيرة باطراد، لا أحد، باستثناء عارضات الأزياء، سيفُزن. على أيٍّ، حتى لو قمنا بتحديد الجمال في نقطة واحدة متسلسلة باتصال مع القبح في الطرف الآخر، فالجمال ليس نقطة النهاية بخريطة الكنز، بالأحرى مليون وجهة مختلفة، بمليون طريق مختلف تأخذنا إلى هنالك. تعريف الجمال بشكل أوسع يفتح المجال نحو تقبّل أفضل لتنوع المظاهر. 4- الطريقة التي نتطرّق بها للمظهر تسلب الأطفال تقبّلهم لطبيعتهم لدي أخبار لكم: أطفالنا أكثر تقدماً منا فيما يتعلق بهذا الأمر، أتحدث مع العديد من المجموعات المدرسية حول المظهر ومسائل الإعاقة، عندما أدعوهم لطرح أسئلة عليّ، أحصل بشكل سريع على سؤال في مثل هذه الصيغة "كيف أثر مظهرك المختلف على حياتك؟"؛ عندما أجيب بأنني عايشت أوقاتاً صعبة وأوقاتاً مرحة، وبأن مظهري لم يشكل تحدياً لكل جوانب حياتي وبأن كل شخص يواجه تحديات، أحصل على العديد من إيماءات التّفهم، سيتحداني الأطفال في لحظة ما حاولت أن أخبرهم بأن مظهري لم يكن له تأثير كبير على حياتي. أسئلة الأطفال حول المظهر مهمة، فهم فضوليون بشكل طبيعي حول ما هو غير مألوف، فعندما يسألون لما يبدو هذا الشخص بشكل مختلف ونجيب بأن "المظاهر لا تهم بهذا القدر"، فإننا نقوم تلقائياً بالإساءة لهذا الشخص عبر إلقاء عباءة الإخفاء على مظهره. مشاركة الأطفال في فضولهم الأصيل ستشجعهم على البقاء مهتمين وتدفع بتقبّلهم لحياتهم بأكملها على الاستمرار. 5- قبحي يشكل جزءاً كبيراً من ماهيتي إن حاولت فصلي عن ندوبي قبل أن تبدأ في مناقشتي حول المسألة، فمن الجائز أنني غير موجود بالمقام الأول. مصدر: Robert Hoge - 5 Things Ive Learned From Being Ugly | TIME. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :