تقطع أم هيفاء يومياً 380 كيلومتراً بين منزلها والسوق الذي تعرض فيه بضاعتها، وتنفق مما تربحه من تجارتها على أسرتها المكونة من فتاتين، ولا تتقاعس عن طلب لقمة العيش بهمة في معترك هذه الحياة التي تتفاقم مسؤولياتها وتحدياتها كل يوم. وبدأت أم هيفاء العمل في بسطة في سوق شعبية في أحد أحياء الرياض منذ نحو عام ونصف العام، شعارها «مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة»، وعلى لسانها لا تفتأ تقول: «كبار التجار بدأوا من الصفر»، إذ تبتاع العود والبخور بالجملة من الأسواق، وتعرضها للبيع في بسطتها إلى أن تطور عملها، وأصبحت تجلب بضاعتها من دولة مجاورة بواسطة مورد عربي، وتعرض ما في جعبتها للزبائن الذين يتوافدون عليها باستمرار. وتقول لـ«الحياة» إن «العمل في السوق يحتاج إلى فطنة وجهد وكفاح ومثابرة مستمرة، والمصاعب لا بد من مواجهتها، فالعبرة في كيف تتصدى لها بحكمة»، مشيرة إلى أن معظم العاملات في البسطة من الوافدات اللاتي «استحوذن على كثير من فرص العمل والمهن في بلدنا»، مضيفة: «تحدث مشاجرات بين البائعات على الأماكن، في ظل التنافس الشديد للاستحواذ على أكبر عدد من الزبائن، وتسويق البضاعة». مع مرور الوقت وبذل المزيد من الجهد؛ حققت أم هيفاء أرباحاً جيدة، ما دفعها لطلب المزيد من البضاعة، لكن المورد استغل ذلك ورفع عليها السعر، ما أوقعها في حزن وضيق «كيف لي أن أدبر المبلغ الذي يطلبه؟». وبعد تفكير وتمحيص تزامن مع توجه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى توطين المهن، وحصر بيع المستلزمات النسائية على النساء، لفت نظرها إعلان بالقرب من موقع «بسطتي»، فحواه عرض محل للإيجار يتضمن رقم هاتف جوال للاتصال، شعرت حينها بحماسة، لاسيما أن ذلك أصبح متاحاً للمواطنين بعدما كان حكراً على العمال المقيمين. وبعد أن جالت الفكرة في رأسها بادرت إلى الاتصال بصاحب الإعلان، واتفقا على أن تدفع له سنوياً الأجرة بمبلغ 120 ألف ريال. وتكمل أم هيفاء الحديث عن تجربتها في العمل لالسوق بالقول: «مرت الآن أربعة أشهر، تخصصت في بيع الجلابيات، والحمد لله الذي عوضني عن البسطة، وأصبحت استورد هذه الجلابيات من دولة خليجية قريبة وأعرضها في المحل، بينما الزبائن تبتاع مني وتطلب المزيد»، مبينة أن قيمة الجلابية لا تزيد على 300 ريال فقط. وعن طموحها، تذكر أنها ترغب في التوسع والتنوع في البضاعة، «أرغب في بيع مستلزمات أخرى، مثل العباءات والملابس الجاهزة، وأسعى أيضاً إلى رفع دخلي حتى أتمكن من الحصول على منزل»، مشيرة إلى أنها تسكن حالياً في منزل مستأجر، وهي عاقدة العزم على تملك بيت يؤويها وابنتيها. وأشارت إلى المضايقات والتحرشات التي قد تتعرض لها العاملات في المحال، مؤكدة أنها لم تتعرض لمثل ذلك «لن يتحرش أحد في النساء، أو يتعرض لهن إلا بموافقتهن أو بمبادرة منهن»، مسترسلة «المرأة التي تتبرج وتظهر زينتها تعرض نفسها لهذا الأمر، وعليها أن تتحمل تبعات ذلك، أما المرأة التي جاءت لتعمل وتكسب لقمة العيش، ولا تلقي بالاً بإظهار زينتها فهي تصون نفسها من الأذى وتلصص عيون الآخرين». وإذا كان هناك من حالفه الحظ في التجارة؛ ففي المقابل كثيرون من دخلوا عالم السوق ولم يكملوا الطريق، وغيرهم مستمرون لكنهم من دون أرباح عالية، فالأرزاق تتفاوت وإدارة المال لها فنون. أم صالح امرأة أخرى كانت تعمل في بسطة منذ أعوام طويلة، لكنها لم تتمكن من الحصول على محل خاص تبيع فيه بضاعتها، وتقول إن كلفة الإيجار باهظة ولا تستطيع دفعها، وتعمل الآن في محل وتتقاضى ثلاثة آلاف ريال شهرياً، موضحة أنها سعيدة بذلك، وهو «خيار أفضل من البيع في البسطات في البرد والحر الشديد وسط الزحام». يُذكر أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فعلت قرار قصر العمل في محال بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية على مراحل، استناداً إلى أمر ملكي صدر قبل أكثر من سبعة أعوام، تلاه قرارات عدة في شأن توطين مهن وأنشطة تم تطبيقها هي أيضاً على مراحل. وتأتي هذه القرارات لتتماشى مع التحولات التطويرية التي تشهدها المملكة التي تسعى من خلالها إلى تفعيل برنامج «التحول الوطني 2020» وتحقيق «رؤية المملكة 2030».
مشاركة :