بدا الجانب التركي أكثر حرصاً على تأكيد روايته التي تدعي تواجد الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول منذ أن بدأت تظهر أنباء عن تغيبه بعد خروجه من القنصلية، فعلى الرغم من التصريحات الرسمية الصادرة عن القنصلية والتي أكدت خروجه بعد إتمام أوراقه وبعد التصريحات التي أدلى بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى موقع بلومبيرغ بعدم تواجد الإعلامي جمال خاشقجي داخل مبنى القنصلية وعرضه على السلطات التركية الدخول للبحث عنه في القنصلية إذا طلبت ذلك، استمرت الآلة الإعلامية التركية الرسمية في البحث عن أي تصريح أو خبر –دون التأكد من سلامته– لتدعيم روايتها الضعيفة. تضارب الروايات وبعد دخول وفد من وكالة رويترز للأنباء برئاسة مدير المكتب في إسطنبول دومينيك ايفنز لمبنى القنصلية السعودية وتجوله عبر الكاميرات في الطوابق الستة للمبنى، خرجت تصريحات لمصادر أمنية على وكالة الأنباء الرسمية للدولة التركية (وكالة الأناضول) تدعي وصول طائرتين على متنها 15 فرداً بينهم مسؤولون سعوديون إلى إسطنبول في يوم دخول المذكور إلى القنصلية وأنهم تواجدوا في القنصلية أثناء تواجده ثم خرجوا منها وعادوا إلى البلدان التي قدموا منها، في حين كانت مصادر رسمية أخرى قد أكدت من قبل «عدم دخول أو خروج أية شخصيات تحمل جوازات سفر دبلوماسية سعودية قبل وبعد حادثة الاختفاء»، بالإضافة إلى ذلك فإن الفترة الزمنية التي يحتاجها أي زائر عند هبوط طائرته لمطار أتاتورك الدولي أو مطار صبيحة جوكشان الدولي إلى مقر القنصلية السعودية في حي لافانت مروراً بإجراءات الدخول والخروج في وقت الذروة في إسطنبول تحتاج إلى نصف يوم على الأقل وليست بالسرعة التي وصفتها وكالة الأناضول. مصادر مجهولة ولم تتوقف المساعي التركية لدعم روايتها الضعيفة عند هذا الحد، فقد نشرت وكالة رويترز للأنباء خبراً عن مصادر أمنية تركية حول توصل تحقيقات الشرطة إلى مصرع خاشقجي في القنصلية وأنه تم إبعاد الجثة عن مقر القنصلية، وقد تناقلت هذه الأنباء قنوات الأخبار الرسمية التركية بلغاتها المختلفة دون التأكد من صحتها، ودون البحث عن مصادر أخرى تؤكد أو تنفي الخبر، وهي المؤسسة التابعة للدولة والحكومة التركية، الأمر الذي كذبته القنصلية السعودية في إسطنبول وأبدت أسفها لنشره وشككت في إطلاع المسؤولين الذين أدلوا بتلك التصريحات على نتائج التحقيقات. أدوات ترهيب من جهة أخرى لعب هذا التضارب وعدم الاحتراف على مستوى مؤسسات الدولة الإعلامية دور المشجع الأكبر للمنابر الإعلامية الإخوانية لإثارة اللغط والأكاذيب حول الحادث، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل إعلامها التي يقبع أغلبها في تركيا، حيث أوجد الإعلام الرسمي التركي الفرصة أمام وسائل الإعلام الإخوانية –بقيادة قناة الجزيرة– لممارسة الترهيب الإعلامي وقلب الحقائق؛ للبحث عن مظلومية جديدة. جمال وغولن ليس ذلك بحسب، فإن تصريحات بعض المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم -الذين يتحدثون اللغة العربية- ومن ذوي العلاقات الوثيقة بجماعة الإخوان كان لها دور في تشجيع الإعلام الإخواني على التمادي في هذا النهج، كما لا يغيب ظل منظور المؤامرة التي باتت المنظور الرئيس والوحيد لدى الدوائر الإعلامية المقربة من الحزب الحاكم، والتي اختلقت روابط وعلاقات وأبعاداً بين حادث اختفاء الإعلامي السعودي، وبين إضعاف موقف تركيا في المطالبة بتسليم أفراد جماعة فتح الله غولن من واشنطن وبرلين وبين سياسة تركيا في الشرق الأوسط، إذ لا ترى تلك الدوائر في اختفاء مواطن سعودي بعد خروجه من قنصلية بلاده لمدة خمسة أيام تقصيراً يجب البحث عنه، قدر ما ترى أنه المؤامرة الكبرى على تركيا وموقف سياساتها الخارجية سواء مع الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط.
مشاركة :