كشف العتب الذي وجهه رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن للإعلام المحلي وعلى رأسه الإعلام المملوك للحكومة، غداة الرد المثير على تقرير البنك الدولي، عن تضارب مصادر القرار والتوجيه في النظام الجزائري، ففيما أوحت جهة معينة في السلطة إلى الوكالة الرسمية بالهجوم على البنك الدولي، وصفه رئيس الوزراء بـ”المضخم والمبالغ فيه”. وقالت أوساط سياسية جزائرية مطلعة إن كلام أيمن بن عبدالرحمن يؤكد وجود جهة أخرى ماسكة بالقرار ليس فقط في إعطاء الأوامر لوسائل الإعلام بالهجوم على هذه الجهة أو تلك، داخلية كانت أم خارجية، ولكن على جميع المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، ما يظهر رئيس الوزراء والفريق الوزاري العامل معه في وضع من ينفّذ السياسات التي تطلب منه وليس من يضع السياسات. وأشارت هذه الأوساط إلى أن الحكومة مجرد واجهة لصراع شخصيات نافذة أخرى أغلبها من المؤسسة العسكرية التي استعادت سيطرتها على القرار الرسمي بعد أن استعان بها الرئيس عبدالمجيد تبون في مهمة التخلص من قوى النفوذ التي كانت تحيط بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة. الحكومة الجزائرية واجهة لصراع شخصيات نافذة من المؤسسة العسكرية التي استعادت سيطرتها على القرار الرسمي وجاء تصريح رئيس الوزراء، الذي وصف فيه رد الإعلام الجزائري على تقرير البنك الدولي بأنه مبالغ فيه، ليكرّس حالة من التخبط في إدارة الإعلام المحلي، وبشكل دقيق الإعلام المملوك للحكومة، حيث ظهر وجود أكثر من جهة تريد استغلاله في صناعة الرأي العام بالشكل الذي تريده، لكن حين يتعلق الأمر بالمسائل الخارجية يتحول إلى ما يشبه الورطة خاصة مع جهة ماليّة دولية ذات نفوذ واسع. وثبت أن الهجوم الذي شنته وكالة الأنباء الرسمية على تقرير البنك الدولي، وإطلاق أوصاف ومفردات حادة تجاهه، قد تم بمنأى عن خبراء البنك المركزي ومسؤولين في قطاع الاقتصاد والمالية والتجارة بالجزائر، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، ما قد يكون أوقع الحكومة وخبراءها في حرج أمام نظرائهم في البنك الدولي. ووصف أيمن بن عبدالرحمن رد وسائل إعلام بلاده بـ”المضخم” و”المبالغ فيه”، وهو ما يجعله في مواجهة غير معلنة مع جهة ما في السلطة تكون قد أوحت إلى الوكالة الرسمية بشن الهجوم على تقرير البنك الدولي، رغم “المسائل الإيجابية التي وردت فيه” حسب رئيس الوزراء. وكان ذلك الهجوم قد أظهر النظام الجزائري في وضع ضعيف ومرتبك سياسيا وشعبيا، إذ بدل أن يدافع عن نفسه وخياراته الاقتصادية والمالية هرب إلى نظرية المؤامرة باتهام جهات معادية بالوقوف وراء التقرير وسعى لإدخال خلافاته مع المغرب في الموضوع متناسيا أنه يتوجه إلى مؤسسة مالية دولية تنأى بنفسها عن الخلافات السياسية. ويذكر مختصون في شؤون الهيئات المالية الدولية بأنه علاوة على التنسيق بينها وبين الحكومات المحلية في عملية إعداد تقاريرها الدورية، فإنها في الغالب تعلم المسؤولين في تلك الحكومات بالنسخ الأولية لتقاريرها، وهو ما يوحي بأن الحكومة الجزائرية كانت على علم بما تضمّنه تقرير البنك الدولي ولم تفاجأ به، ما يجعل الهجوم مفتعلا وهدفه إلقاء المسؤولية على الآخرين. وأوضح أيمن بن عبدالرحمن في رده على سؤال حول تقرير البنك العالمي، أنه “بالنسبة إلى السلبيات الموجودة في هذا التقرير سوف نرد بطريقتنا، وهناك آليات وإجراءات بهذا الخصوص”، وهو تلميح إلى أن الإعلام، ومن وراءه، ليس مخولا بالرد أو استخلاف مهام الهيئات الرسمية في البلاد. ويبدو أن رئيس الوزراء الجزائري الذي كان ضمن فريق التشاور والتنسيق مع خبراء البنك الدولي قد وقع في ورطة بسبب انزلاق الإعلام المحلي الذي أخذ على عاتقه مهمة رد حاد بعبارات ومفردات تفتقد للمهنية والاحترافية، وكرّس حالة من الحساسية السياسية على مجال يهم الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي والمالي. وتعمل السلطات الجزائرية على حشد الإعلام المحلي، بما فيه الحكومي والخاص، للاضطلاع بما تسميه “معركة تماسك الجبهة الداخلية وتعبئة الرأي العام لإدراك المخاطر الحقيقية والمؤامرات الإقليمية التي تستهدف أمنها واستقرارها”، وهو ما يعطي الانطباع بأن جهة واحدة هي التي تشرف وتوجه مضمون مختلف وسائل الإعلام التلفزيونية والورقية والإلكترونية. رئيس الوزراء وصف رد الإعلام الجزائري على تقرير البنك الدولي بـ"المبالغ فيه" وتضخ الحكومة الجزائرية أموالا ضخمة في الإعلام المحلي، حيث تعمل من خلال احتكار آليات توزيع الإعلان على بناء شبكة متنوعة من مختلف وسائل الإعلام، فضلا عن إطلاق قناة دولية خلال الأشهر الأخيرة لتسويق السياسة الخارجية للدولة، غير أن هذا المشهد الإعلامي ما يزال دون طموحات القائمين عليه. وذكر البنك الدولي في تقريره بأن السلطات الجزائرية في “حاجة ملحة إلى إعادة ضبط السياسات الاقتصادية بهدف تصحيح الاختلالات الاقتصادية الكلية مع ضمان الحماية والدعم للفئات الأشد ضعفا”. وشدّد على أن “انتقال الجزائر إلى نموذج جديد للنمو يتطلب القيام بإصلاحات هيكلية واسعة النطاق، بما في ذلك إجراءات تحسين الحوكمة الاقتصادية ودعم نمو قطاع خاص ديناميكي وخلق فرص العمل”. وأثار الرد الرسمي الجزائري تعاليق ساخرة لدى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من الجزائريين وغير الجزائريين بسبب تركه الرد على موضوع الانتقادات الموجهة من البنك الدولي إلى الجزائر وبحثه عن معارك جانبية من نوع “لماذا لا يتحدث التقرير الدولي عن الفقر في المغرب”. وقال التقرير الحكومي الجزائري إن “البنك العالمي قد أشار إلى ‘الفقر في الجزائر’ في الوقت الذي تغاضى فيه عن وضعية الهشاشة المأساوية، وحتى الخطرة والمدمرة السائدة في بلد مجاور من الجهة الغربية، وبذلك تكون المؤسسة قد فقدت كل ما تبقى لها من مصداقية”.
مشاركة :