العالم بأكمله بات يدرك سياسات الدول وتوجهاتها، فالمعهود في الساحة الدولية أن توجهات المملكة تتضمن في رؤيتها الوطنية المتطلعة نحو آفاق المستقبل الرحبة إضفاء مزيد من الرفاهية والازدهار والتقدم لشعبها، وبهذا فهو يعي الفارق الجوهري بين الرياض ونظام الملالي الحاكم في طهران الذي انتهج منذ انتزاعه السلطة قبل أربعة عقود سياسة العبث الإرهابي ومنهجية اللا مسؤولية عبر مستويين متوازيين، الأول خارجيا ويرتكز على تبنيه مشروع السيطرة على جغرافيا المنطقة والعبث بمقدراتها عبر سياسة تصدير ثورته البائسة، وكذلك إشعال فتيل الفتنة عبر تأجيج الطائفية والمناطقية بين شرائح المجتمعات العربية حتى تتسنى له السيطرة على ثروات الأوطان ومقدراتها. بينما يتمنهج المستوى الثاني داخليا عبر إبقاء الشعب الإيراني في منطقة الفقر المدقع وإلهائه حول أبسط مقومات العيش وسط بيئة متسمة بالإرهاب الأمني الصارم. ولعل فكرة الثورة اللا متناهية بدأت في تشكيل الوعي الناضج لدى الناشئة الجدد حول خرافات الولي الفقيه وهرطقاته الغيبية في عالم اليوم الذي يفكر في اقتحام الفضاء والعيش في كوكب المريخ! لقد عهد العالم بكل مؤسساته الدولية ومنظماته الرسمية والوكالات المنبثقة منها عن الرياض سياستها المتزنة والمحورية في المنطقة، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز، وامتدادا بحكم أبنائه البررة من بعده حتى حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وما اتهام طهران الأخير للرياض بأنها وراء الأحداث الأخيرة التي وقعت في إقليم الأحواز المحتل من قبل طهران منذ 90 عاما إلا دلالة جلية على انهزامية الأخيرة في مواجهة الواقع، وعدم قدرة نظام الملالي الحاكم على تحمل مسؤوليته المتوجبة عليه تجاه شعبه والمنطقة، ومن هنا وجهت الرياض نصيحتها القوية لطهران بأن تتصرف كدولة مسؤولة تسعى لرفاهية شعبها واستقراره بدلا من إهدار مقومات الدولة ومقدراتها في دعم الجماعات الإرهابية وتغذية الطائفية ونشر الفوضى في المنطقة. لقد عودتنا قراءة التاريخ السياسي أن الارتداد العكسي في الأحداث سنة كونية معهودة ومتكررة في كثير من الوقائع البشرية، فاستعمال طهران للأدوات الإرهابية كسلاح وآلة ضغط في المنطقة بدأ يرتد بقوة على النظام الحاكم في طهران باكتواء مفاجئ لأنظمة الاستخبارات الثورية من قبل المجتمعات المكونة للشريحة الاجتماعية الإيرانية، وهذا أمر طبيعي ومعهود في الواقع التاريخي، وما يشهده موقف الملالي اليوم من انتفاضات شعبية متفرقة في الأقاليم الإيرانية ضد سياساته وعبثياته وعنصريته البشعة في التعامل مع الشرائح الاجتماعية والقوميات الإثنية في الداخل هو نتيجة طبيعية وحتمية لهذا الإرهاب الذي يتبناه الملالي منذ انقضاضه على السلطة عام 1979. مفاهيم الوعي العربي، ولا سيما داخل النسيج الشيعي العربي، بدأت تتشكل بقوة، كإدراك يقيني حول أكذوبة الولي الفقيه وأن تنظيم داعش - مثلا - ليس إلا جزءا أساسيا من المشروع الإيراني في المنطقة، وأنه ضمن الخيوط القذرة التي تستعملها طهران في نسيجها الاستعماري للجغرافيا العربية في المنطقة، وبذلك بدأت طهران وهي الراعية لعشرات الميليشيات العسكرية في الأحواز والحواضر العربية تفقد مقوماتها الشعبية والحاضنة الاجتماعية بعد عودة الهوية العربية وصحوتها وتشكلها داخل المنخدعين بالمشروع الإيراني. أخيرا، إن دعم قناة الجزيرة لنظام الملالي في المجازر البشعة التي اقترفها في الأحواز العربية يدل على أن تنظيم الدوحة ما زال مصرا على دسائسه الكيدية ومؤامراته العبثية على مستقبل الأمة العربية، ولكن التهميش العربي والخليجي له جعل الدوحة تعيش أجواءها التاريخية ككينونة مستهجنة تقبع زمنيا خارج التاريخ، ولهذا فإن العجب لدينا يبلغ منتهاه الأقصى حول أولئك المتعاطفين مع هذا التنظيم الإرهابي!
مشاركة :