لا نكاد نتجاوز حدثاً هذه الأيام حتى تظهر أحداث ليست بالحسبان، ولم تكن متوقعة لكنها تكشف بعض خبايا منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بنيران الصراعات. وكما جرت العادة لا تغلق الملفات الساخنة بل تبقى مشتعلة سواء على نار هادئة حيناً أو حتى نار حامية أحياناً أخرى. فالملف السوري رغم المفاوضات ورغم هدوء بعض الجبهات هناك بعد سقوط حلب، لا تزال تظهر حالات إنسانية يندى لها جبين الإنسانية، وتقصف الطائرات الروسية ونظام الأسد مناطق كانت فيما سبق هادئة ونوعاً ما مطمئنة. وهذا ليس تحليل متشائم بل محاولة لكشف دهاليز السياسة الدولية التي تتسم بالتكتم الشديد والغموض في منطقتنا العربية، ولأجل مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة. فمنطقتنا العربية هي مهد الديانات السماوية ومنها انبثقت حضارات عظيمة وعليه لابد لشعوبها من حياة كريمة أمنه بجهود شبابنا الذاتية بعيداً عن الخراب والدمار الذي يرسمه لنا وينفذه علينا الأعداء الطامعون بأرضنا وثرواتنا بمعية بعض أدواتهم الرخيصة من أبناء أوطاننا العربية العملاء. بالنسبة للملف السوري على سبيل المثال لا الحصر، أصبح اللاعب الإيراني هو الأكثر أهمية في توجيهه حسب مصالح ملالي طهران. ومن هنا أصبحت إيران رقما صعبا لا يمكن تجاوزه بل يدعو البعض إلى إنهاء الخلافات العربية الفارسية وفتح صفحة جديدة مع طي صفحة الماضي! وهذا ما أشار له الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارته القصيرة جداً للكويت منذ أيام. لكن لماذا زار الرئيس روحاني سلطنة عمان والكويت حصراً دون باقي الدول الخليجية؟ الأحرى به زيارة المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر مساحة وسكاناً وثقلاً سياسياً واقتصادياً وحتى دينياً في منظومة مجلس التعاون الخليجي. أو الإمارات التي كانت ولا تزال دبي تمثل الرئة التي تتنفس منها إيران كما أن بينهما خلاف الجزر الإماراتية المحتلة الثلاثة منذ عهد شاه إيران سنة 1971. فملالي إيران طوال 38 سنة لم يحاولوا حل مشكلة الجزر الإماراتية الثلاث ويرفضون حتى تحويل القضية لمحكمة العدل الدولية لحل المشكلة طبقاً للقانون الدولي. اما سلطنة عمان فترتبط بإيران منذ أيام شاه إيران بعلاقات متميزة جداً فالشاه محمد رضا بهلوي ساعدهم بحل مشكلة جبهة ظفار عسكرياً. واليوم ازدادت أهمية سلطنة عمان لإيران بعد حرب اليمن لكون عمان الوسيط بين مجلس التعاون الخليجي من جهة وإيران من جهة أخرى، وبين إيران والغرب في فترة سابقة. في حين أن الكويت يتميز أميرها بحنكة سنوات خبرته الطويلة منذ أكثر من خمسة عقود في السياسة الخارجية، فما إن علم بمشكلة الحدود مع العراق حتى تم التواصل مع نظام الملالي خصوصاً بعد الإهانة التي وجهتها إيران لزعماء دول الخليج العربية خلال الاحتفال بذكرى ثورة الشعوب في إيران مؤخراً. فاختفت المطالبات العراقية بخور عبدالله فجأة وبلا مقدمات! رغم كون مشكلة الحدود العراقية الكويتية موضوع أزمة منذ عقود طويلة، لكن الحدود الحالية تم الاتفاق عليها منذ زمن الرئيس العراقي صدام حسين، واعتمدها البرلمان العراقي حينها، فلماذا أثيرت الان؟ مما يشير بوضوح إلى أن نظام الملالي الحاكم في إيران هو مصدر القلاقل والفتن التي تتعرض لها دول الخليج العربي. فالكويت فاوضت الرأس ولم تفاوض الذيول من عملاء إيران الذين لهم القدرة على تحريك الجنوب العراقي الشيعي بأي لحظة وبكل سهولة بسلاح المرجعية الشيعية وفتاويها وبسلاح التنظيمات المليشياوية التي شكلتها إيران في العراق وأصبحت يدها الضاربة هناك. ومن هنا يجب الوقوف للتأمل والتفكر فيما حدث مؤخراً ومراجعة الاحداث السياسية والعسكرية الماضية طوال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل لعمل حسبة بسيطة لهذا النظام العدواني في طهران. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل من الحكمة للدول العربية نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع نظام الملالي القابع في طهران؟ للإجابة على هذا السؤال المحوري يجب قراءة الأحداث الداخلية في جغرافية إيران أولاً ثم تقييم سلوك نظام الملالي في طهران ثانياً. ففي الداخل لجمهورية القهر والخوف نجد أن التوترات الداخلية تزداد باستمرار. فإن خبأت في الأحواز تشتعل في بلوشتسان ثم تظهر في كردستان أو أذربيجان الجنوبية. وآخر هذه الأحداث هي الثورة في مدينتي الأحواز والفلاحية (الدورق) العربيتين المستمرة لليوم. فنتيجة اغتيال شاب أحوازي في مقتبل العمر قبل شهور في مدينة الفلاحية، لا تزال الاحتجاجات مستمرة ولكن هذه المرة ليس من أجل شهيد أحوازي واحد فقط ولكن لظروف القهر والاستبداد وسياسة الأرض المحروقة طويلة الأمد. فلا ماء صالح للشرب، والكهرباء تنقطع باستمرار، وتم تجفيف الأنهار والأهوار وتحويلها للشمال الفارسي في أصفهان، وأصبحت البيئة موبوءة بالأمراض، والأراضي الزراعية الخصبة بارت وأصبحت متصحرة، ولا وظائف للشباب الأحوازي في حين يعين الآلاف من الفرس واللور في أرض الأحواز لاسيما في شركات النفط والبتروكيمياء وأجهزة الأمن وقيادات المحافظات الأحوازية والبلدية وكل مفاصل أجهزة الدولة. فهل نثق بنظام هكذا يعامل العرب أصحاب الأرض والثروة في إيران؟ والذين لولا ثروات أرضهم لأصبحت إيران دولة قارية فقيرة مثل أفغانستان أو أشقى منها وأكثر حرماناً. أما على صعيد السياسات الخارجية، فما حادثة إنهاء التظاهرات العراقية على الحدود الكويتية وبتوجيه مباشر من نظام الملالي في طهران إلا نقطة في بحر الفتن التي يحيكها هذا النظام ويخمدها بمزاجه بعد الحصول على مغريات أو تنازلات أو تغيير بوصلة المنطقة للتخفيف من الضغوط الدولية المفروضة عليه سيما بعد تصريحات الإدارة الامريكية الجديدة ضد إيران. فعندما سئل حسن نصر الله تابع نظام الملالي المطيع سنة 2006 عن سبب خطفه للجنود الاسرائيلين، قال: إن الشباب كانوا يشموا هوا وشافوا الجنود الإسرائيليين الثمانية فخطفوهم ولم يدر بخلده أن عاقبة فعلته هذه دفع ثمنها لبنان من جنوبه للعاصمة بيروت بقصف مدمر لـ34 يوماً. فنصر الله كان همه تنفيذ أوامر ولي نعمته (ولي الفقيه المرشد علي الخامنئي) وتباهى بأن المال النظيف (القادم من ملالي طهران، وهو في حقيقته أموال الشعب الأحوازي المغتصبة) سيعيد بناء ما دمره العدوان الإسرائيلي على لبنان! وكذلك حرب غزة في 2009/2010 جاءت بعدما اشتد التضييق على ملالي طهران في ملفهم النووي مع الغرب. لترفع الضغوط الدولية عن إيران حينها ويدفع الشعب الفلسطيني في غزة ثمن فاتورة المساعدات الإيرانية الحرام المغتصبة من ثروات أرض الأحواز العربية. أما طرح الرئيس حسن روحاني قضية المفاوضات مع الخليجيين مباشرة خلال زيارته للكويت وبدون شروط، فهي فخ أتمنى أن لا تقع فيه الدول الخليجية. فحسن روحاني كان مسئول المفاوضات عن الملف النووي الإيراني لسنوات طويلة مع الغرب، فعرف كيف يناور ويسوف ويؤجل ويكسب الوقت من دون تقديم تنازلات! والفرس عموماً يحبون التفاوض لأنه يناسب شخصياتهم المعروفة بالمكر والخداع والكذب والدهاء. أما الطريق الصحيح للدول العربية عامة والخليجية خاصة مع إيران هو العصا فقط. فالعصا بتحريك الداخل في جغرافية إيران من قوميات مسلوبة الإرادة ومقموعة وفي حالة ثورة دائمة لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة. فتحريك بعض الأموال بشكل غير مباشر سيؤتي ثماره بسرعة عوضاً عن التفاوض العقيم والمرهق، أو تقديم امتيازات ومغريات أو حتى تنازلات وإن كانت متواضعة في البداية لكنها ستكون مهينة وقاسية لاحقاً. ودعم القوميات بالداخل أفضل من دعم المعارضة الفارسية في الخارج فمجاهدين خلق لن يختلفوا عن الملالي أو أسرة بلهوي من قبلهم. وأهم ملف لضرب إيران وإيقافها عن حدها بل وتركيعها وإملاء الشروط عليها هو ملف القضية الاحوازية، فالعرب دعموا الفلسطينيين لسنوات طويلة وساعدوا على تقوية حركة فتح بمنحها الأموال الطائلة والتسهيلات والامتيازات في معظم الدول العربية. حتى إن الجزائر منحت الفلسطينيين معسكرات للفدائيين منذ بداية الستينات من القرن الماضي. في حين للآن لا يتم التعامل مع الأحوازيين بهذه الحرفية والتقدير. بل في أحسن الحالات يتم شراء بعض الافراد لاسيما عن طريق الأجهزة الأمنية. فلم تفتح وزارة خارجية عربية واحده أبوابها لاحوازي واحد. فلا يوجد مقر واحد لاي تنظيم احوازي في أي دولة عربية. ولا يوجد معسكر واحد للتدريب، ولم يمنحوا الأموال لتأسيس كيانات سياسية قوية قادرة على العمل النوعي سواء عن طريق المنظمات الدولية كالامم المتحدة كما حصل مع حركة فتح التي أصبحت عضو مراقب باللامم المتحدة منذ سنة 1974. او عن طريق البرلمات الغربية وحكوماتهم. بالتوازي مع الدعم الإعلامي الواسع. حينها سيأتي ملالي طهران مرغمين لتقديم تنازلات وليس للتسويف والمماطلة. وحينها فقط ستكون الدول العربية صاحبة اليد العليا، وستفرض شروطها بأريحية على ملالي طهران مثل سحب الحرس الثوري وميليشياته العربية والأجنية العميلة من سوريا والعراق ولبنان واليمن وكف يدها عن البحرين والكويت، وإيقاف حملات التغلغل في الدول العربية عن طريق مكاتبهم الثقافية التي تدس السم بالعسل، وإرجاع الجزر الثلاث للإمارات، وبالتالي عودة التنمية الشاملة للدول العربية وتقليل ميزانيات الدفاع والحروب وتوجيهها للصحة والتعليم والخدمات ولخلق فرص عمل للشباب. فهل يتم ذلك وتتبع الحكومات العربية طريق الحكمة وإن كان طويلاً؟ أم تفضل الدول العربية أن تكون في حالة دفاع عن نفسها مقابل تقدم إيران وتغلغلها في الدول العربية؟ كل هذه التساؤلات ستكشفها الأيام القادمة. وأتمنى ألا نبكي على الدول الخليجية كما بكى أجدادنا على ضياع الأندلس من قبل! شذا جريسات رابط الخبر بصحيفة الوئام: الدول العربية ومعضلة ملالي طهران
مشاركة :