حدد السودان، أمس الأحد، سعر صرف العملة عند 47.5 جنيه للدولار الأميركي الواحد، في أول يوم لبدء العمل بآلية جديدة يسعى من خلالها للقضاء على السوق الموازية، وتوفير الدولار للمستوردين، وذلك من خلال تخفيض حاد بلغ 60 في المائة، لمواجهة أزمة تراجع العملة جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد. ويقل السعر الجديد عن سعر الصرف الرسمي ليوم السبت، البالغ 29 جنيهاً سودانياً للدولار، وعن سعر السوق السوداء البالغ نحو 45.5 جنيه للدولار. وهذه هي المرة الثالثة التي يخفض فيها البنك المركزي السوداني قيمة الجنيه منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. وواجهت البنوك السودانية، أمس، معضلة في التعامل مع تلك الآلية الجديدة، نظراً لمعاناتها من أزمة سيولة، وهو الأمر الذي يجعل البنوك وشركات الصرافة تنتظر لسحب الدولار من السوق أولاً. وأمس أصدر بنك السودان المركزي منشوراً خاصاً بآلية صناع السوق لإعلان سعر الصرف، موجهاً لكل المصارف وشركات الصرافة (نحو 42 بنكاً وألفين شركة صرافة)، لتطبيق سعر الصرف الجديد بواسطة آلية إعلان سعر الصرف، على كافة المعاملات، بما فيها تقييم الأصول والخصوم. كان محافظ البنك المركزي السوداني محمد خير الزبير، أعلن يوم الخميس أن السودان سيبدأ من يوم الأحد تحديد سعر الصرف اليومي من خلال هيئة مشكلة حديثاً من المصرفيين ومكاتب الصرافة، في إطار حزمة إجراءات لمواجهة أزمة اقتصادية، في إطار ما يعرف بآلية «صناع السوق»، أي تحديد سعر الصرف بشكل يومي، وفقاً للعرض والطلب. وبموجب الآلية الجديدة، سيحدد السودان سعر الذهب تماشياً مع الأسعار العالمية، لكن المدفوعات ستكون على أساس سعر الصرف الجديد الذي ستحدده آلية المصرفيين ومكاتب الصرافة. وفور الإعلان صباح أمس عن سعر الصرف الجديد، تقدم عدد كبير من البنوك وشركات الصرافة وشركات خاصة ومواطنين وراغبين في السفر والعلاج، بطلبات لدى إدارة «صناع السوق» للحصول على الدولار، وفوجئوا بتوافر الدولار على غير العادة، وزاد من مفاجأتهم أن الدولار الذي تمتلكه الآلية، دولار حسابي لا يصرف إلا لحساب المستفيد وليس نقداً. ولم تستبعد مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أن يعاود الدولار رحلة الصعود التي لازمته طيلة العاميين الماضيين، ليصل إلى 60 جنيهاً، كما حدث لسياسة تحديد السعر التأشيري للجنيه السوداني مقابل الدولار، مع بداية ميزانية العام الحالي، التي التزمت بها كل الأطراف ذات المصلحة، لكنها سرعان ما فشلت، عندما لم تستطع الصمود أمام تجار العملة. ويعاني اقتصاد السودان منذ انفصال الجنوب في 2011، آخذاً معه ثلاثة أرباع إنتاج النفط، ليحرم الخرطوم من مصدر رئيسي للعملة الصعبة. وتشهد البلاد تضخماً جامحاً بلغ مستوى قياسياً مرتفعاً عند 66 في المائة في أغسطس (آب)، وهو من أعلى المعدلات في العالم. ونصح صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاديون، السودان، بتعويم عملته، لأن الفرق بين السعر الرسمي للجنيه وسعره في السوق الموازية أثر على اقتصاد البلد الأفريقي. وليس واضحاً ما إذا كان هذا الخفض هو اتجاه نحو تعويم الجنيه. وقال صندوق النقد الدولي، في تقرير عن الاقتصاد السوداني يعود إلى العام 2017، إن «توحيد سعر الصرف الرسمي والسوقي هو المفتاح لمزيد من خفض الاختلالات الخارجية، وتعزيز القدرة التنافسية ونمو الاستثمارات والإيرادات المالية». وتضاءلت الآمال بحصول انتعاش اقتصادي،عقب رفع واشنطن عقوباتها الاقتصادية عن السودان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، بعدما فرضتها طوال نحو عقدين. وفي الأشهر الأخيرة تفاقمت أزمة العملة السودانية، وتراجعت قيمتها في السوق الموازية، حتى وصلت قيمة الدولار الواحد إلى 45.5 جنيه. ومنذ يناير الماضي، خفض البنك المركزي قيمة الجنيه ثلاث مرات، في محاولة للمواءمة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، مؤكداً أن هذه الخطوة ليست تعويماً للعملة الوطنية، في ظل مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات اجتماعية، لكن تلك الخطوة لن تفلح في القضاء على السوق السوداء أو توفير العملة. واندلعت مظاهرات في بداية العام، بسبب رفع جزئي للدعم عن بعض السلع، لكن السلطات الأمنية سرعان ما تصدت لها. وازدادت أسعار المواد الغذائية بما يتجاوز الضعف من ذلك الحين.
مشاركة :